رئيس التحرير
عصام كامل

استفت قلبك!


"استفت قلبك ولو أفتاك الناس" حديث شريف من الأربعين النووية الشهيرة، وهو ما يعني أن الإمام النووي حسنه والثابت أن الإمام الشوكاني حسنه أيضا ثم الألباني.. وبينما يري علماء الحديث -ورأيهم صحيح-أن الحديث يتكامل أو ينسجم مع أحاديث أخرى مثل حديث "البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس"..


إلا أننا ننتقل خطوة أخرى للأمام ونتأمل في تعليمات نبوية شريفة للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام يدعو لكي يكون الحكم الأخير فيما التبس على الناس للضمير الشخصي لكل منهم، وأن أفتي لهم المفتون حتى إنه عليه الصلاة والسلام لم يقل "اطع شيخك أو اطع مفتيك" بل العكس تماما..وهذا لا يتم إلا بالتوصل إلى القرارات الصحيحة وهذه تعني الدعوة الضمنية لعموم المسلمين بالاجتهاد في الوصول إلى الأحكام السليمة للقضايا والمسائل التي يتعرضون لها وتشغلهم، أو لمناقشة أحكام الآخرين بينهم وبين أنفسهم وفي قلوبهم وسرائرهم، وهذا كله ينسجم مع تعاليم القرآن الكريم الذي دعا إلى التدبر والتأمل والتفكر والنظر في ملكوت الله وملكه وآياته وحكمته وأحكامه في الأمور كلها..

ليتوفر أولا الاطمئنان العقلي وبالتالي يكون مدحه جل جلاله لـ "أولى الألباب" وهم أصحاب العقول منسجما أيضا مع الدعوة لاستخدام العقل في فهم واستنباط الأحكام، ولذلك كان طبيعيا أن تكون دعوة النبي عليه الصلاة والسلام لابن عمه وترجمان القرآن عبدالله ابن عباس هي "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" وكانت نصيحته له "اقرأ القرآن كأنما يتنزل عليك "..

وهي دعوات علنية صريحة على أن العقل وحده هو الطريق لفهم الدين، ولذلك فكل مسلم مكلف بالتفكير وبالنظر وبالتأمل وهي أمور لا تفويض فيها ولا توكيلات وإلا ما كان الحديث الأول "استفت قلبك وأن أفتوك" ولا كانت الدعوة الأخيرة "اقرأ القرآن كأنما يتنزل عليك" أي اجتهد وافهم واستنبط كأن لا أحد فعلها قبلك، وكان عبد الله ابن عباس رضي الله عنه وقتها صغيرا غير مكلف!

الخلاصة: الإسلام دين العقل والمنطق..واحتكاره لفئة يتصادم مع تعاليم الإسلام نفسه ووصايا رسوله العظيم الذي جعل حتى الحروب تدار "بالرأي والمشورة والمكيدة" كما حدث في معركة بدر والنزول على رأي "الحباب بن المنذر" بتغيير مكان المسلمين بالقرب من بئر بدر..

وكلها تعاليم تتصادم أكثر مع مدرسة النقل في فهم وتفسير الإسلام التي تنقل الأحكام الفقهية وتتوارثها كما هي رغم تغير الأحوال والظروف عبر أكثر من أربعة عشر قرنا كاملهة،وبما يضع العديد من أحكامها ـ وهي كلها اجتهادات وأحكام بشرية ـ خارج الواقع وبالتالي خارج المنطق وبالتالي تعطي الفرص للطعن وتعطي الفرص للطاعنين !
الجريدة الرسمية