رئيس التحرير
عصام كامل

قبل المدفع..نزهة على ضفاف حَمَّام الحمير!


لأنى أشعر بالعطش الشديد، ويشدنى الشوق إلى سماع أذان المغرب، لأروى ظمأى وتبتل عروقى وأنعم بفرحة الصائم، فقد انساب في وجدانى مجرى النيل الجميل، وهاجت الخواطر تترى عن شريان الحياة للبلاد والعباد.


ياسلام ياعبد السلام عندما تعزف على سفر الوطن وجمال بيانه.. وقبل ما تسمع يا محترم سمعني سقفة محبة في رسول الله.
في البدء كما في الأخير، قفز سد النهضة الإثيوبى والخوف من سنوات العطش على خواطرى حول النيل، بيد أننى ألفيت نفسى لا أقيم وزنًا لا للسد ولا للحد، ولا للنهضة ولا للسلام ولادياولو.. ذلك إننا شعب يرفس النعمة ولا يقدرها، وإذا ضاعت نولول ونلطم، وأقول بالفم المليان إننا شعب ظَلَمَة.

ظلمنا النيل وانتهكنا صفاءه وبهاءه بداية من غسيل البهايم، إلى إلقاء مخلفات دورات مياه البهايم، إلى إلقاء البهايم بعد موتها!
أسير على ضفاف النيل أو أذرُع النيل في أي محافظة، وأفتح صدرى للنسيم والنيل، فإذا بى أستقبل روائح لا يطيقها بشر، يتبعها فاصل من نهيق حمار عفى، فأضرب ببصرى لأكتشف أنه لا ينهق، وإنما يغنى وصاحبه يحميه في النيل، ثم أسمع نعير جاموسة صاحبها يحمِّيها هو الآخر في النيل، فأضحك وأقول زمان قال عبد الوهاب النيل نجاشى، ولو عاش حتى الآن لقال النيل مواشى!

ياألله.. هكذا صدرت منى الصيحة، ثم تساءلت وتكشيرة العكننة تكسو وجهى..أهذا هو النيل الذي تغزل فيه عمنا بيرم التونسى: شمس الأصيل دَهَّبِت خوص النخيل/ تحفة ومتصورة في صفحتك ياجميل/والناى على الشط غَنَّى والقلوب بتمِيل/على هبوب الهوا لما يمر عليل/يانيل.

صورة من الجنة لعظمة قدرة الله، وهبنا إياها، ثم نحولها إلى مقلب زبالة، وطشوت غسيل لا يحلو للسيدات الريفيات غسيل الهدوم والمواعين إلا في النيل!! زد على ذلك أننا حولناه أيضًا إلى مشرحة زينهم للحمير، إذ لايحلو لمن فقد حماره ــ وكأن الحمار قد أوصاه قبل موته ــ إلا إلقاءه في النيل على الطريقة الهندية في التعامل مع تراب موتاهم بعد حرقهم في الدنيا قبل الآخرة إلا من رحم ربى.

أتحسر وأقول.. هل هذا هو النيل الذي غرد على شاطئه العندليب عبد الحليم حافظ: ياتبر سايل بين شطين ياحلو يااسمر/ لولا سمارك جوه العين ماكانت تنَوَّر/يانعمة م الخلَّاق يانيل/ دى مَيِّتَك ترياق يانيل.

أهذا هو النيل الذي غنت له بنات مصر: البحر بيضحك ليه وانا نازلة اتدلَّع املا القلل؟

أمواج الخواطر مازالت تهاجمنى، أسمع سبابها، لقوم بصقوا في الإناء الذي يأكلون منه، ثم أضحك من صورة قريبة، عندما انتشرت خزانات المياه الكبيرة فوق أسطح عمارات القاهرة، كان من المفترض ألا تتعرض للتلوث على الإطلاق، فهى لا تتعدى متران في متران (غير ميتران الرئيس الفرنسى الراحل).. ورغم ذلك عجز البشر عن الاحتفاظ بها نظيفة نقية، بل إن بعض السكان كانوا يتحدثون عن أجسام وكائنات غريبة كانت تنزل من الصنابير قادمة من خزانات الأسطح، ولا أستبعد أن يكون من بينها ملابس داخلية وشرابات.. هذا على مستوى خزان بهذه المساحة الضئيلة، فما بالك بنهر بطول البلاد؟!

قبل أن نصب لعناتناعلى الأحباش، علينا أن نعترف أننا أجرمنا في حق النيل، ففى تصورى أن الأحباش ربما عرفوا ما نفعله في النيل، ثم بعد أن تيقنوا منه، كان القرار الذي اتخذوه لنقفل المحبس من عندنا عن هؤلاء القوم الذين لا يقدرون النعمة.

هنا كان مدفع الإفطار على وشك الانطلاق، فأسرعت إلى سبيل ماء مثلج على قارعة الطريق، وأمسكت بالكوب، وتضرعت إلى الله، ألا يكون الأحباش قد انتهوا بعد من سد النهضة، حتى أروى ظمأى.. ورغم كل هذه الهواجس والخواطر العطشانة، غنيت لسد النهضة.. على خدُّه ياناس ميت وردة/ قاعدين حراس"للنهضة"/ ومنين ينباس ياخى دِهْدَه.
الجريدة الرسمية