رئيس التحرير
عصام كامل

أول من يبعث يوم القيامة وصورة حشر المتكبرين

فيتو


"وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا" الكهف 47.

المرحلة الثالثة للقيامة تأتي بحشر الناس جميعًا منذ بدء الخليقة وحتى انتهائها إلى أرض المحشر، الجميع في صعيد واحد، لكن قبل ذلك يتساءل كثير من الناس عمن يكون أول من يبعث يوم القيامة.


وروى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه،عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللهِ، فَإِنَّهُ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَيَصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ، قَالَ: "ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ، أَوْ فِي أَوَّلِ مَنْ بُعِثَ، فَإِذَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ آخِذٌ بِالْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَحُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّورِ، أَوْ بُعِثَ قَبْلِي"، وفي رواية أخرى "النَّاس يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ...".

بعد البعث يساق الناس إلى أرض المحشر، ويقول العلماء إن الأرض التي يحشر الله سبحانه وتعالى عليها النّاس في يوم القيامة هي أرض أخرى غير أرض الدنيا، قال تعالى:"يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ"، إبراهيم48.

وفي حدّيث الرّسول، صلّى الله عليه وسلّم، عن صفة الأرض التي سيحشر النّاس عليها، جاء في صحيحي البخاري ومسلم، عن سهل بن سعد قال: "سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: "يحشر النّاس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء، كقرصة النّقي"، قال سهل أو غيره: "ليس فيها معلم لأحد".

حشر المتكبرين
من الأهوال العظيمة التي تحدث يوم القيامة أن يحشر الله المتكبرين على هيئة الذر؛ جزاء وفاقًا لما كانوا عليه في الدنيا من التكبر والترفع والطغيان على غيرهم من البشر، حيث روى الإمام أحمد وغيره عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ، فِي صُوَرِ النَّاسِ، يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الصَّغَارِ، حَتَّى يَدْخُلُوا سِجْنًا فِي جَهَنَّمَ، يُقَالُ لَهُ: بُولَسُ، فَتَعْلُوَهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ، يُسْقَوْنَ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ، عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ".

وذكر الشيخ المباركفوري في شرحه لهذا الحديث عن الطيبي "أمثال الذر" تشبيه لهم بالذر فيحتمل أن يكون وجه الشبه الصغر في الجثة وأن يكون الحقارة والصغار، في قوله: "في صور الرجال" بيان للوجه ودفع وهم من يتوهم خلافه، وأما قوله: "إن الأجساد تعاد على ما كانت عليه من الأجزاء" فليس فيه أن لا تعاد تلك الأجزاء الأصلية في مثل الذر، لأنه تعالى قادر عليه وفيه الخلاف المشهور بين الأصوليين، وعلى هذه الحقارة ملزوم هذا التركيب فلا ينافي إرادة الجثة مع الحقارة.

وقال القاري: "التحقيق أن الله يعيدهم عند إخراجهم من قبورهم على أكمل صورهم وجمع أجزائهم المعدومة تحقيقًا لوصف الإعادة على وجه الكمال، ثم يجعلهم في موقف الجزاء على الصورة المذكورة إهانة وتذليلا لهم، جزاء وفاقا أو يتصاغرون من الهيبة الإلهية عند مجيئهم إلى موضع الحساب وظهور أثر العقوبة السلطانية التي لو وضعت على الجبال لصارت هباءً منثورا".

الشفاعة
ثم تأتي المرحلة الثانية من أهوال القيامة بالشفاعة، حيث يقول العلماء عندما يشتدّ الكرب على النّاس في هذا الموقف العظيم، ويطول بحثهم عن أصحاب المنازل العالية عند ربّهم ليشفعوا لهم، حتى يأتي الله سبحانه وتعالى لفصل الحساب، وتخليص النّاس من كربات وأهوال ذلك اليوم، فيطلبون من أبي البشر "آدم" عليه السلام أن يشفع لهم عند ربّهم، ويذكّرونه بفضله وإكرام الله تعالى له، فيأبى ذلك، ويرسلهم إلى نوح عليه السّلام، أوّل رسل الله تعالى إلى البشر، فيأبى ويتذكّر ما كان منه من تقصير في بعض الأمور تجاه ربه ومولاه، ثمّ يرسلهم إلى من بعده من أولى العزم من الرّسل، وكلّ واحد يدفعها إلى الذي بعده، حتّى يصلوا إلى النّبي محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - خاتم الرّسل والنّبيين، فيقوم الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ويستأذن على ربّه فيأذن الله تعالى له، فيحمده ويمجِّده، ويسأله في أمّته، فيستجيب الله تعالى له، وذلك لأنّ الله أعطى لكلّ نبيّ دعوةً في أمّته لا تردّ.

ويقول العلماء إن كل نبي استعجل تلك الدّعوة في الدّنيا، وخبّأ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم دعوته إلى ذلك اليوم الذي تحتاج فيه الأمّة إلى دعوته، وقد ثبت في صحيحي البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:"كلّ نبيّ يسأل سؤالًا أو قال: لكلّ نبي دعوة دعاها لأمّته، وإنّي اختبأت دعوتي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة".


الجريدة الرسمية