النصيحة والإجبار وحكم الله !
الخلط دومًا بين النصيحة والإجبار، الدعوة والإكراه، حدودك التي يجب الا تتعدى على حدود الآخرين، صفتك البشرية التي يجب ألا تصل إلى رتبة الألوهية، الخطوط الفاصلة دومًا غير مرئية، ومن هنا كان يجب أن نفرق بين النصيحة والإجبار وحكم الله.
دار الإفتاء تقول إن المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان معصية، بناء على ذلك ودون تنسيق يشن رئيس حي العجوزة حملة للقبض على المجاهرين بالإفطار طبعا تطلب الأمر اشياء أخرى مثل السؤال على الديانة!، وبالتزامن مع ذلك جاء حادثة «أورلاندو» من هجوم إرهابي على ناد ليلي اعتاد المثليون على ارتياده، وتفيد التحقيقات الأولية أن المنفذ كان لديه ميول عدائية ضد المثليين.
تعليقًا على تلك الحوادث اختلف المصريون ما بين مؤيد ومعارض ومتشكك حتى خرج منشور أيضا دون تنسيق! تم تداوله على نطاق واسع ليهاجم كل من يرفض ما قالته دار الإفتاء أو فعله رئيس حي العجوزة بجانب مهاجمة كل من انتقد الحادث الإرهابي في أمريكا.
المنشور اعتمد أن الرافضين لو عاشوا في عصر سيدنا لوط كانوا سيقولون إن ما يفعله قوم لوط حرية شخصية وهو تمامًا ما كان سيحدث في عصر سيدنا إبراهيم.
وبالتأكيد ودون أدنى قلق، نعم كنت سأقول إنه حرية شخصية ! وحين ننظر ماذا قال لوط لقومه نجده في البداية يدعوهم من منطلق الخوف لا أكثر «أتأتون الذكران من العالمين، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم؟ بل أنتم قوم عادون».
هذا ما قاله نبي الله لقومه، دعاهم فقط، نصحهم وأظهر أنه لا يريد مقابل ذلك أي أجر وحين أمره الله بترك قريته فعل ذلك ولسان حاله لكم الحرية فيما تفعلون ولي الحرية فيما أبلغكم من رسالة ربي.
قد يذهب قائل إن «لوط» كان مستضعفًا في قومه ولا يملك سلطة، لذلك نذهب إلى عصر آخر كانت الدولة الإسلامية هي الأقوى، وفي ظل خليفة مسلمين كان الأعدل ونسأل ماذا فعل عمر بن الخطاب في الأديان الأخرى، لم يفعل شيئًا، الحقيقة إنه لم يتدخل، تركهم كما هم، ودعاهم بحرية ولم يطبق عليهم أي قانون ولم يحاكمهم بما يعتقده رغم أنهم رعاياه.
الغريب والمدهش أن كل الأنبياء جاءوا بالدعوة فقط، وتعاملوا من منطلق الحرية الشخصية، فنرى سيدنا صالح وهو يدعو قومه «يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره» ونجد الحوار بين سيدنا هود وقومه لما دعاهم للتوحيد فردوا عليه «قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين» فما كان منه إلا القول «يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين» أما سيدنا شعيب فيصل إلى مرحلة اليأس مع قومه وتكون النتيجة هي دعاؤه «ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين» وهنا نجده يدعو أن يكون الفتح بالحق لم يدع بهلاك أحد.
إذًا منهج الأنبياء –المكلفين فقط بالرسالة- يقوم على الدعوة، واحترام الحرية الشخصية، وأن النفس البشرية لا يمكن أن تأتي بالجبر، لم يلجأ نبي للضرب، للتشهير، بل حتى حين فشل نبي الله شعيب في هداية قومه قال ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق «وخلي بالك من كلمة الحق».
من ناحية أخرى فإن عقاب الله لتلك الأمم هو حقه، عدله، ملكه، كوكبه، دنيته، يفعل ما يشاء، لكن حدودنا البشرية تقف عند حد معين أحترام إرادة البشر، دعوتهم بالحسنى وتركهم بالحسنى، فلو تعامل سيدنا لوط مع قومه إن ما يفعلوه لابد له من تغيير ما تركهم لكان حاربهم حتى ينتصر الأقوى لكنه استنكر فعل ودعا للتوحيد وأخيرًا هاجرهم وفي كل ذلك كان لا يصادر حقهم!
وربما يأتي الخلط دومًا عند المصريين بين الحرية الشخصية والأمر بالمعروف، والحقيقة إنه لا تناقض، فأي شيء يفعله الإنسان هو نتاج أفكاره وحريته، وبالتالي هي حريته الشخصية ولكن هذا لا يمنع أن أنصحه إن كان سيقبل، وإن لم يقبل فليس من حقي النصح، ولنا مثلًا أن نرفض المثلية الجنسية ونشمئز منها لكن ليس من حقنا أن نفر من المثليين أنفسهم أو أن ننكر وجودهم في الوطن، نفرح لعقابهم ونتمنى هلاكهم بل على العكس فعلى حد علمي يجب أن نحزن لأنهم –من وجهة نظر الإسلام- ماتوا على معصية هذا إذا كنت حريصَا على الدين !