نزرع الحياة ونأكل الموت
لقد تحولت الرمال الصفراء إلى جنة على الأرض يُزرع فيها أجود أصناف الفاكهة والخضر مستخدمين أحدث طرق الرى بالتنقيط وأحدث الأساليب العلمية تحت إشراف أساتذة من جميع التخصصات الزراعية، وأحيانا كثيرة تحت إشراف خبراء زراعة من جميع الجنسيات، الكل يتناغم ويتكاتف من أجل الحصول على أعلى جودة -وهنا اسمحوا لى أن أضع مائة خط أحمر على كلمة جودة بما تحملها الكلمة من معانٍ- وأعلى إنتاجية، فترى الهندسة فى تحليل التربة وتحليل متبقيات المبيدات بعد الرش واتباع برامج سمادية ووقائية وعلاجية بدقة متناهية حتى يأتى موسم الحصاد والفرز والتعبئة والتغليف، ثم للأسف التصدير إلى دول أوربا وأمريكا وأنا أعرف أنك أيها القارئ ستتعجب من كلمة للأسف هذه، سامحنى وأكمل معى المقال، وخالفنى فى الرأى إن كنت مخطئا فى حقك .
أنا طبعا مع التصدير وهذا فخر لكل بلد مصدرة، ولكن أيها القارئ هل تعرف ما هى الاشتراطات والقيود التى تفرضها هذه الدول التى تستورد منتجات تلك المزارع ؟ أولا تعاقدات التصدير تكون فى الأغلب مع سلسلة عالمية من السوبر ماركت منتشرة فى كل دول العالم تقريبا، وهذه السلسلة ترسل إلى المَزارع المتعاقدة معها بقائمة بالمركبات المسموح استعمالها والأخرى المحظور استخدامها، وكذلك تكون تلك القائمة مشتملة على الحدود المسموح بها فى المحصول من متبقيات المركبات سواء أسمدة أو مبيدات، ثم يأتى يوم التصدير، ويجب على المصدر أن يرسل الرسالة والتى يجب أن تُحلل من قبل الجهة المستوردة للتحقق من صلاحيتها للمقاييس المتفق عليها، فإن لا قدر الله كانت الرسالة مخالفة تعدم ولا تعود إلى مصدرها.
وتُدعم الحكومة المُنتج فى الماء والكهرباء والطاقة، وكل هذا جميل جدا ولكن ألَستَ متفقا معى أيها القارئ أنه ما دُمنا نُدعم ونزرع غذاء الشعوب الأوربية والأمريكية، وليس أى غذاء، بل غذاء خالى من المبيدات وآمن تماما على صحة الإنسان فهل يأكل الشعب المصرى مما نزرعه ونصدره؟ أو السؤال بمعنى آخر هل نُصدر فائض إنتاجنا من الخضر والفاكهة؟ بالطبع لا، باستثناء بعض المَزارع .
فمن أين تأتى المحاصيل التى نأكلها؟ إنها تأتى من إنتاج الأراضى السمراء الخصبة، ولكن ليس عليها أى نوع من الرقابة من المُنتج إلى التاجر إلى المستهلك، وهنا لا بد أن نقف قليلا، فالمُنتج الصغير كل ما يهمه هو القضاء على الآفة التى تهاجم محصوله فنجده يستخدم المبيدات رشا على المحصول غير مراعٍ لفترة ما قبل الحصاد (PHI) فلكل مبيد فترة لا يسمح فيها بجمع المحصول بعد استخدام المبيد إلا بعد انقضاء تلك الفترة، وهذه تختلف باختلاف المبيد فتتباين هذه الفترة من يوم إلى 25 يوم أو تزيد قليلا، فتجد فى أحيان كثير أن الفلاح يرش المحصول بمبيد، وهو ينوى الجمع فى اليوم التالى ويفعل الفلاح هذا عن جهل وليس عن قصد، حيث تجده هو نفسه يقوم بالأكل أثناء رش المبيدات بيديه الملوثة بماء المبيد .
إذًا نحن نزرع الحياة ونصدرها وندخر لإنفسِنا ولأولادنا الموت والمرض، أيها السادة، يا من تنادون بالنهضة والتقدم وأنتم تجهلون كيف يمكن تحقيقها؟
فالبداية هى صحة الإنسان، وأضع مليون خط أحمر تحت هذه الكلمة، وأقولوها وأنا أصرخ رافعا يدى إلى الله وأناديهم وأقول لهم: يا من تستثمرون الجهل ومرض الفقراء الذين أفقرتموهم اتقوا الله، إن شعبنا لا يستحق كل هذا التحقير.