التأمين على حياة المصريين ضد مرسى
يحتاج المصريون لامتلاك ثقافة التأمين على الحياة فى مجتمع باتت كل خطوة لهم داخله أقرب إلى نقطة اللاعودة، عنف مجتمعى هنا وسياسى هناك، خرطوش عند الاتحادية ورصاص عند المقطم والتحرير، غازات خانقة فى الميادين وجثث تلقى فى صحراوات البلاد لتأكلها الكلاب، تثبيت على أطراف المدن واعتداء على المتجمهرين داخلها، وقبل هذا كله رئيس يشل خطابه البدن ويرفع الضغط ويصيب بالجلطات.
ونشأت فكرة التأمين على الحياة عند الوفاة مع أول وثيقة أصدرها الأفراد فى لندن سنة 1582على حياة شخص لصالح آخر فى حالة وفاته خلال 12 شهرا، وفى عام 1693 وضع أحد علماء الرياضيات جدولا للحياة استخدم فى العام 1755 فى احتساب أقساط تأمين ثابتة، على أساس سن المؤمن عليه عند بدء التأمين.
ولم يعرف التأمين فى الدول العربية إلا أوائل القرن العشرين، وفى العام 1903 أفتى الإمام محمد عبده بشرعية التأمين على الحياة فى مواجهة آراء اعتبرت التأمين "تحديا لإرادة الله"، وتضمن قانون الضرائب على الدخل رقم 187 لسنة 1993 بتعديل بعض أحكام قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981 مزايا فيما يختص بالإعفاءات الممنوحة لأقساط التأمين من الضريبة على المرتبات والإيرادات والدخول.
وباعتراف حكومى يقف نحو 25.2 % من المصريين تحت خط الفقر المحلى المقدر شهريا بـ 257 جنيها حسب آخر إحصاء للجهاز المركزى، أضف إليهم نسبة قريبة يزيد دخلها عنه ضعفا واحدا، يقف هؤلاء عاجزين عن ضمان قوت يومهم وخارج الشرائح المستهدفة بالتأمين.
فى المقابل يتمتع 57% فقط من المصريين بمظلة التأمين "الصحى" العام طبقا لتقدير رئيس الهيئة عبد الرحمن السقا فى يوليو الماضى، وحسب الشئون القنصلية يتجاوز عدد المصريين فى الخارج 11 مليون نسمة بينهم 5 ملايين متواجدون بشكل "غير شرعى"، ورغم أن الخارجية المصرية تعترف فى يناير الماضى بجلب هؤلاء تحويلات وصلت 17.4 مليار دولار خلال 2012، بخلاف مدخراتهم البالغة 200 مليار جنيه، إلا أن أغلبهم خارج مظلة التأمين على الحياة.
شركات التأمين على الحياة، الأمريكية والأوربية تحديدا، بدأ أغلبها داخل مصر وبلدان الثورات العربية التراجع عن التأمين على حياة فئات شتى مثل الصحفيين وضباط الشرطة، باعتبار أن طبيعة مهنهم تمثل خطرا على استثماراتها.
فقدان الحياة فى "زمن الجماعة" يزيد خطره الخطاب السياسى الكاذب والمثير للسخرية، وما ينتج عنه من آثار نفسية وأمراض عصرية متطورة بسرعة نهضة إخوان مرسى لمصر، مع سيطرة فكرة أخونة الدولة على عقلية جماعة التجار، ترتب عليه مزيد من الفشل والإفساد، يبدو فى أداء نحو 5.6 مليون موظف بالجهاز الإدارى للدولة، يزيد شعور المصريين بالقرف من حياتهم، مع تحول البلاد من مرحلة دولة "اللاقانون" التى أرسى قواعدها مبارك وعائلته، إلى دولة "اللادستور" بحكم قلعة المقطم.
ودولة اللادستور وحدها تستطيع أن ترصد معها العجائب المهددة لحياتك وعقلك، كزيادة عدد الناخبين المصريين بمعدلات فوق العالمية لضمان تمرير نجاح منافسى الجماعة فى أى انتخابات دون الحاجة لأصوات الموتى المباركية، ولم لا واستنساخ البشر بأرقام قومية أسهل، وإلزام "الرضّيعة" بإنجاب ناخبين بالغين أقرب إلى عقلية صندوقهم.
نفس الدولة تضمن للقاتل حريته وتحصن المجرمين بتغييب جهاز الادعاء المنوط به صون أمن المجتمع وسلامته، وتجعل تقارير الطب الشرعى ككراسات الإملاء لأطفال الروضة، وتضع عوائد مصادر الدخل القومى بأيدى مشهلاتية الأصوات الانتخابية، وتتصالح مع ناهبى أموال الشعب وتستدعى السيطرة الأجنبية تحت مزاعم الاستثمار، وتجعل دور العبادة منابر تكفير للمنافسين والمختلفين فكريا مع أصحاب السيادة.
سمات دولة اللادستور وخطاب رمزها يكفيان لتفكير المصريين فى التأمين على حياتهم، وعقولهم أيضا إن استطاعوا، قبل أن تلفظهم شركات التأمين بسبب مشاهدتهم خطاب مرسى.