المجتمعات الصحيحة..والتدين الصحيح
يعتقد الكثيرون فى الشرق -على اختلاف معتقداتهم- أن الشىء الوحيد الذى يتفوقون فيه على الغرب هو حينما يتعرض الأمر بالإيمانيات والفضائل، ولكن يبدو أنه حتى فى هذا الأمر فإن الغرب أفضل، لتتأكد حقيقية مهمة وهى أن المجتمعات الصحيحة تُخلق تدين صحيح ثماره المحبة والسلام والعدل والخير والتضحية وكل هذا بالأفعال وليس بالأقوال والخطب الرنانة.
ففى اسكتلندا سمحت كنيسة تدعى «سانت جونز» للمسلمين المقيمين بجوارها أداء شعائرهم الإسلامية داخل مبانيها، بسبب أن المسجد القريب من مبنى الكنيسة لا يكفى عدد المصلين. ويتعرض المصلون خارجه لطقس الشتاء البارد والثلوج. ونقلت الصحف البريطانية عن الأب آيزاك بوبالان، أحد قساوسة الكنيسة بقوله «إنهم لا يمكنهم الوقوف متفرجين على شخص يؤدى صلاته والجليد يتساقط عليه، وأن تلك المساعدة لا تأتى لأن هؤلاء الناس مصلون، وإنما لأنهم يؤدون عملاً فى جو لا يرحم. أى أن الدافع إنسانى ودينى فقد علمنا الإنجيل مساعدة الآخرين وفعل الخير».
والحقيقة لا أعلم ماذا لو قرأ هذا الخبر قبطى يعيش فى العياط أو العديسات أو سمالوط أو المنيا أو نجع حمادى أو بورسعيد أو الزقازيق أو ملوى أو القوصية أو البلينا أو قنا أو الاسكندرية أو كفرالشيخ أو طحا الأعمدة أو مطروح أو الباجور أو إمبابة أو شبرا الخيمة أو عين شمس أو إدفو أو الواسطى وغيرهم الكثير، ففى هذه المناطق يتم الاعتداء على الكنائس عند شراء الكنيسة وعند بنائها وعند توسعها وعند الصلاة بها، وعند اختفاء طفلة أو شابة أو زوجة أو اختفاء مسيحى أسلم أو مسيحية أسلمت، أو إذا تحول مسلم أو مسلمة إلى المسيحية، أو علاقة عاطفية بين مسيحى ومسلمة سواء حقيقة أو شائعة، أو صورة على موبايل أو تبشير أو غيرها من الأسباب الكثيرة أيضاً.
والحقيقة مع كل هذا فالأفضل أن تنتمى إلى متسامحى اسكتلندا وتعامل الناس بإنسانية وسمو ومحبة، عن أن تكون من متطرفى بلادنا وتملؤك مشاعر كراهية للمختلف عنك. فبينما الغرب يسمح لـ «غير المسيحيين» بالصلاة فى كنائسهم، فى مصر لا يُسمح «للمسيحيين» بالصلاة فى كنائسهم!.
وفى الفاتيكان وبعد استقالة البابا «بنديكت» التاريخية والتى أعطت العالم درساً فى التخلى عن السلطة سواء الدينية أو العالمية من بطرك يحمل السلطتين، فهو رأس مؤسسة دينية يتبعها أكثر من مليار شخص فى العالم كذلك هو رئيس دولة الفاتيكان، والذى تخلى بمحض إرادته ليجلس فى الظل حينما شعر أنه غير قادر. أتى البابا فرانسيس الأول «بابا الفقراء» كما يلقبه العالم، وربما لا يعرف الكثيرين أن الكاردينال برجوليو -البابا فرانسيس حالياً- كان هو المرشح الثانى بحسب الأصوات بعد جوزيف راتزنجر -البابا بنديكت السادس عشر- فى الاقتراع السابق عام 2005 بعد رحيل البابا يوحنا بولس الثاني، إلا أن برجوليو طلب ممن انتخبوه عدم التصويت ليصبح البابا بنديكت هو البطرك الخامس والستين بعد المائتين. وبعدها وكأن السماء تكافئ البابا فرانسيس على رفضه للمنصب قبل ثمانية أعوام، فقد وقع الاختيار عام 2013 على الكاردينال برجوليو ليكون البابا فرانسيس الأول ويصبح البابا الـ 266 للكنيسة الكاثوليكية.
وفى قداس تنصيبة بطريركاً على كرسى القديس بطرس ألقى قداسة البابا فرانسيس عظة عميقة جداً دعا فيها الحضور من أصحاب المناصب العليا فى الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ليكونوا حماة للخلق، وحث قادة العالم على التركيز على حماية البيئة والأطفال والمسنين والمحتاجين وفاجأ العالم حين رفض البابا فرانسيس أن يلبس الخاتم الذهبى المعتاد لبطريرك كرسى روما، كما رفض ارتداء الملابس البابوية الفخمة. كما أنه وبعد إلقاء كلمته بميدان بطرسبرج رفض الركوب بسيارة ليموزين بابوية مفضلاً أن يركب حافلة مع الكرادلة. درّس للعالم أجمع بالأفعال وليس بالأقوال بعد أن سئم الجميع الخطابة والعظات والنصح بالكلمات فقط. وكما يقول الفيلسوف «الاحمق يتكلم بما سيعمل ، والمغرور يتكلم بما عمله، والعاقل يعمل ولا يتكلم».