رئيس التحرير
عصام كامل

«الذين يسألون الناس إلحافا».. إحصائية: مليونا متسول يجوبون شوارع مصر.. ومتوسط دخل الفرد 300 جنيه يوميًا..و متسول بني سويف يمتلك ٤ ملايين جنيه وعمارتين

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

كثيرون هم الفقراء والمحتاجون الذين نعرفهم ويعرفهم الكثير، ومع ذلك نجدهم متعففين عن سؤال الناس، ولا يسألون إلا الله، لأنهم أيقنوا أن الرزق من الله وحده، وبيده لا بيد غيره، فامتثلوا لأمر ربهم تبارك وتعالى القائل في محكم التنزيل: “وفى السماء رزقكم وما توعدون”، ولقد امتدحهم الله في كتابه قائلا: “للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربًا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافًا.


وعلى النقيض من هؤلاء نجد من يتسولون ويسألون الناس دون حاجة حتى أصبحت مهنة منتشرة في شوارع مصر تدر الملايين على أصحابها دون مشقة، سوى التلاعب بعواطف الناس إما بإظهار عاهاتهم، أو باللعب على وتر عاطفة الناس من خلال الدعاء المبالغ فيه، وغيرها من الأساليب المبتكرة للمتسولين التي تجبر الناس لا إراديًا على التبرع لهم بالمال رغم يقينهم بأن معظم هؤلاء المتسولين عصابات منظَّمة.

أشهر وسائل التسول ورقة مكتوب عليها «أنا أرملة ولدى ثلاثة أبناء في مراحل التعليم المختلفة، وأحدهم مصاب بمرض خطير، كما أننى مصابة بمرض في العظام يمنعنى من العمل، ويحتاج لعلاج شهرى مكلف، فساعدونى يساعدكم الله»، هذه رسالة مكتوبة على الكمبيوتر ومطبوع منها نسخ عديدة توزعها سيدة على الركاب داخل عربات مترو الأنفاق، في مشهد يتكرر بصورة يومية كإحدى وسائل التسول الجديدة في المجتمع المصري.
النمط التقليدى للمتسولين هم الذين يدعون ويمثلون أن لديهم عاهات أو من أصحاب العاهات فعلًا الذين يقفون على النواصي أو الكبارى أو في الطرق العامة يمدون أيديهم طلبًا للنقود.
وهناك متسولون يزعمون أن أموالهم قد تم سرقتها وأنهم مسافرون إلى مدينة بعيدة، وأنهم يحتاجون إلى العديد من الجنيهات لكى يستطيعوا السفر إلى بلدهم.

ولعل أشهر هذه الوقائع.. متسول بني سويف الذي تبين بعد التحقيق معه أن له رصيدا في البنك قيمته ٤ ملايين جنيه فضلا عن عمارتين في شارع فيصل، وهناك متسولون يدعون المرض لأنفسهم أو لأحد من أقاربهم وهؤلاء تجدهم في عدة أماكن، إما في وسائل المواصلات يقولون بعض الجمل التي يحفظونها عن أحوالهم ثم يمرون يجمعون الأموال من الركاب، أو منهم من يستخدم تاكسى أو توك توك ويجوب القرى والأحياء الشعبية ومعهم مكبرات الصوت يتحدثون من خلالها عن أحوال المرض والعمليات الجراحية التي يحتاجونها هم أو ذويهم، ولزوم الحبكة تجد شخصا مستلقى على ظهره في التاكسى أو جالسًا في التوك توك يدعي المرض الشديد، ولفضح إدعائهم إذا قلت له إنى طبيب ومستعد للكشف ولعلاج الحالة، فسوف تجدهم يفرون. أما إشارات المرور فلا تخلو ممن يمسحون زجاج السيارات، ثم يطلبون المقابل لعمل لم يطلبه منهم أحد.
أما موسم الحصاد فينتشر فيه المتسولون في الأرياف، ويكون معهم أجولة ويشترطون أن يأخذوا أرزا أو دقيقا، وإذا جمعوا كمية كبيرة يبيعونها أحيانًا داخل نفس القرية التي جمعوا منها المحصول.

ولا توجد إحصاءات دقيقة ترصد ظاهرة التسول في مصر، غير أن تقريرًا صادرًا عن منظمة العمل الدولية عام 2008 أشار إلى وجود ما يقارب المليون متسول في مصر لا يقل دخل الفرد منهم عن 300 جنيه يوميًّا، وهو ما جعل المتسولين من أغنى طبقات المجتمع وأكثرهم ثراءً، وهم ينهبون ثروات الناس عبر الإحسان، في حين أشارت بعض الدراسات التي أجراها المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أن هناك ما يقرب من مليوني متسول في مصر ويزداد العدد في المواسم والأعياد الدينية.

وتلفت تلك التقارير إلى تعدد طرق المتسولين في مصر في ابتكار وسائل وأساليب حديثة لاستعطاف الآخرين ذوى القلوب الرحيمة بطبيعتهم، فهذا مريض يحمل وصفات الأطباء لأدوية باهظة الثمن، وتلك امرأة تحمل طفلًا معاقًا، وآخر فقد نقوده ولا يملك ثمن عودته إلى منزله، وربما يكون طلب المساعدة بالقول أو من خلال ورقة مكتوبة ومطبوع منها عدة نسخ يتم توزيعها داخل وسائل المواصلات المختلفة وأمام المساجد وفى الميادين العامة.

وربما لكثرة وتنوع أطياف المتسولين يبدو الأمر لمن يراه أنه أمام جيش منظم يتحرك ضمن خطة مسبقة لابتزاز الناس، فالبعض يستخدم الآيات والسور القرآنية، وغالبا ما تكون سيدة منتقبة، وآخرون من الأطفال يقومون ببيع المناديل في الإشارات المرورية.
هذا بخلاف متسولي «كل عام وأنتم بخير»، وهى كلمة السر لأغلب المتسولين وخاصة في الأعياد والمناسبات، حيث يصل التسول (ديليفري) إلى المنازل، ففى شهر رمضان والعشرة الأوائل من ذي الحجة وغيرها من المناسبات الدينية ينتشر المتسولون في الأحياء الراقية وأحيانا الشعبية أيضا، يطرقون أبواب البيوت لطلب لما يسمى بـ«العدية».
الجريدة الرسمية