رئيس التحرير
عصام كامل

الإسلام: «كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به»

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

تشدد الإسلام في النهى عن الكسب الحرام، باعتباره شؤما وبلاء على صاحبه، فبسببه يقسو القلب، وينطفئ نور الإيمان، وتتفشى مساوئ الأخلاق من سرقة وغصب ورشوة وربا وغش واحتكار وتطفيف للكيل والميزان وأكل مال اليتيم وأكل أموال الناس بالباطل، وشيوع الفواحش ما ظهر منها وما بطن.


وفى مواضع كثيرة.. يحث القرآن الكريم على الكسب الحلال، حيث يقول: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِى الأَرْضِ حَلاَلًا طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ”، وفى موضع ثان: “فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلًا طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”، وفى موضع ثالث: “فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ”.

كما تنبأ النبى الكريم بظهور قوم يملأون بطونهم من الرزق الحرام ففى الحديث: “يأتى على الناس زمان، لا يبالى المرء ما أخذ منه، أمن الحلال أم من الحرام، كما إن بعض الناس لطمعه وشجعه يفتئت على ربه فيجعل الحرام حلالا والحلال حراما، كما جاء في قوله تعالى: “قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلًا قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ”.
وقد أورد المتقدمون أسبابا للكسب الحرام، من بينها: عدم الخوف والحياء من الله، فإذا نُزع الحياءُ من المرء فإنها لا يبالى أكان مكسبه من حلال أم من حرام، وفى الحديث الشريف: “لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن، ولا يشرب الخمرة حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن”.

أما السبب الثانى فهو: الحرص على المكسب السريع، حيث يستعجل بعض الناس رزقهم، فيسعون إلى التكسب من أي جهة وبأى طريق حتى لو كان من حرام، وفى الحديث: “ ليس من عمل يقرب من الجنة إلا قد أمرتكم به ولا عمل يقرب من النار إلا وقد نهيتكم عنه، فلا يستبطئن أحد منكم رزقه، فإن جبريل ألقى في روعى أن أحدا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه فاتقوا الله أيها الناس وأجملوا في الطلب، فإن استبطأ أحد منكم رزقه فلا يطلبه بمعصية الله، فإن الله لا ينال فضله بمعصيته “.

أما السبب الثالث فهو الطمع وعدم القناعة، حيث يجهل الكثيرون أن الأرزاق مقسمة كالآجال، ففى الحرص لا يخلو المرء من تعب وفى الطمع لا يخلو من ذل، وقديما قيل “ أذل الحرص أعناق الرجال”. وقال ابن أدهم “ قلة الحرص والطمع تورث الصدق والورع وكثرة الحرص والطمع تورث كثرة الغم والجزع “ والطمع يُعمى الإنسان عن حقائق الأمور ويُخفى عنه معالمها، وأنشد أحدهم: جمع الحرام على الحلال ليُكثره، دخل الحرام على الحلال فبعثره، فيما أنشد آخر: وذو القناعةِ راضٍ من مَعيشَتِه، وصاحبُ الحِرْصِ إنْ أثرى فغضبانُ.

ورابع هذه الأسباب: الجهل بخطورة الكسب الحرام وحكمه، وقد بين صحابة الرسول الكريم قبح الكسب الحرام في مواطن عدة، ففى “البخارى”، روت السيدة عائشة عن والدها أبى بكر الصديق رضى الله عنهما أن غلاما جاء له يومًا بشيء فأكل منه، فقال له الغلام: أتدرى ما هذا؟! فقال أبو بكر: وما هو؟ فقال: تكهَّنتُ لإنسان في الجاهلية وما أُحسنُ الكِهانة إلا أنى خدعته، فَلقينِى فأعطانى بذلك هذا الذي أكلتَ منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه، وفى رواية أنه قال: “لو لم تخرج إلا مع نفسى لأخرجتها اللهم إنى أبرأ إليك مما حملت العروق وخالط الأمعاء”، ورُوى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه شرب لبنًا فأعجبه، فقال للذى سقاه: من أين لك هذا؟ فقال: مررت بإبل الصدقة وهم على ماء فأخذت من ألبانها، فأدخل عمر يده فاستقاء، وأوصت إحدى الصالحات زوجها وقالت له: “يا هذا، اتق الله في رزقنا، فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار”.

وللرزق الحرام أضرار ومساوئ، فبسببه يمتلئ القلب ظلما وتكسل الجوارح عن الطاعة، وتُنزع البركة من الرزق والعمر، وفى الحديث: “ إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به”، وفى قول ابن عباس رضى الله عنه: «إن للحسنة نورًا في القلب، وضياء في الوجه، وقوة في البدن، وزيادة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق. وإن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنا في البدن، ونقصًا في الرزق وبغضًا في قلوب الخلق’، فيما قال يحيى بن معاذ: “الطاعة خزانة من خزائن الله إلا أن مفتاحها الدعاء، وأسنانه لُقم الحلال”.

والكسب الحرام يستوجب غضب الله، فعن أبى أمامة الحارثى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من اقتطع حق امرئ مسلمٍ بيمينه، فقد أوجب الله له النار وحرّم عليه الجنة”، فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: “وإن كان قضيبًا من أراك”، كما قال صلى الله عليه وسلم: “ أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: “ يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إنى بما تعملون عليم “ وقال: “ يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم “، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذى بالحرام فأنى يستجاب لذلك “.


المصدر:
- موقع دار الافتاء المصرية
- موقع منبر الإسلام
- صحيح البخارى
الجريدة الرسمية