السلطة والجامعة (9)
كان الصدام الأول مع السلطة التنفيذية (الحكومة) بشأن الاستعانة ببعض المعلمين العاملين بمدارس وزارة المعارف، فقد توافقت الجامعة مع إسماعيل بك حسين الذي كان ناظرًا لإحدى المدارس الثانوية، على قيامه بالتدريس في الجامعة، وطلب إسماعيل حسين من رئيس الجامعة آنذاك، ولي العهد الأمير أحمد فؤاد، أن يكتب إليه خطابًا رسميًا بهذا المعنى ليستخدمه لتسوية أمر وظيفته سواء بطلب إجازة من العمل أو غير ذلك مما يلزم لتفرغ للعمل بالجامعة، فأرسل إليه الأمير الخطاب المطلوب والذي تقدم به إسماعيل حسين لوزير المعارف، طالبًا السماح له بالتدريس في الجامعة، إلا أن رد وزير المعارف كان قاسيًا برفض الطلب، مبررًا أنه ليس طرطورًا في الوزارة، وأن الجامعة قد تخطته بالحديث إلى المذكور قبل الحديث إليه، وكان هذا الوزير هو "سعد زغلول".
وبعد عامين أصبح هناك قسم للآداب بالجامعة وحددت مدة الدراسة فيه بأربع سنوات، واشترط لقبول الطالب حصوله على شهادة الثانوية أو ما يعادلها، وكانت أول درجة تمنح من الجامعة هي درجة العالمية أو الدكتوراه متأثرة بالجامعات الإيطالية التي كانت تعطي الدكتوراه كإيجازة التخرج، وكان يشترط للحصول عليها النجاح في عشر مواد، ثم أداء امتحان خاص في مادتين ثم مناقشة بحث وكانت المشكلة مع الحكومة هي الاعتراف بالشهادة الجديدة.
وكالعادة أصرت السلطة على التدخل في الجامعة واشترطت أن تكون لجنة الممتحنين للدكتوراه من خمسة أعضاء، ثلاثة تختارهم الجامعة وعضوان يمثلان وزارة المعارف، وتم منح أول دكتوراه سنة 1914، وحصل عليها الدكتور طه حسين، ولم يظهر اسم كلية الآداب أو درجة الليسانس إلا بعد ذلك بعامين، في 1916، على أن يتولى إدارتها مجلس يسمى الجمعية العمومية لأساتذة كلية الآداب، ويتولى رئاستها عميد الكلية الذي كان يتم انتخابه ووكيل له بالاقتراع السري المباشر سنويًا في أول كل عام جامعي.
وشهد عام 1915 انتقال الجامعة من قصر الخواجة نستور جناكليس، بأول شارع قصر العيني، مكان الجامعة الأمريكية حاليًا، إلى قصر محمد صدقي باشا بشارع الفلكي، لأن إيجاره كان 250 سنويًا مقابل 400 جنيه لقصر جناكليس، إلا أن الإيجار ارتفع إلى 300 جنيه في 1916 وعند تجديد العقد في 1919 وصل إلى 600 جنيه.
وفي عام 1915 تم افتتاح قسم العلوم الاقتصادية والمالية وكانت الدراسة فيه لمدة عامين وفي العام نفسه تم افتتاح القسم الجنائي لتدريس مواد القانون، والذي بدأ في 1917 في تدريس منهج مدرسة الحقوق للطلبة الذين لم يستطيعوا الدراسة بها.
وقد اهتمت الجامعة منذ نشأتها بأن تكون مصرية الهوية، تعتمد اللغة العربية لغة للدراسة بها، ولا تفرق بين طلابها بسبب دين أو لون أو طبقة اجتماعية، وتحملت الجامعة الهجوم الشديد على صفحات الجرائد وفي المجالس من المحافظين وبعض رجال الأزهر الذين دعوا أن تقتصر الدراسة على المواد الفقهية، وأن تكون الجامعة للمسلمين فقط كالأزهر.
كما أولت الجامعة اهتمامًا خاصًا لإعداد أساتذتها كجزء من سياسة التمصير، فبادرت بإرسال البعثات من طلبة كانت تختارهم لجنة فنية وتتحمل الجامعة نفقات ابتعاثهم مقابل التزامهم بالعمل بها لمدة عشر سنوات بعد رجوعهم، وإلا أصبح لزامًا عليهم تسديد نفقات بعثاتهم.
وضمت البعثة الأولى محمد حسن ومحمد صادق (رياضيات – كمبريدج) وتوفيق سيدهم (طبيعة – لندن) وسيد كامل (تاريخ – السوربون) ومحمد توفيق (آداب – السوربون) ومحمود فهمي (فلسفة – السوربون) وحسن فؤاد (فسيولوجيا – ليون) محمد ولي الدين (طب – ليون) ومحمد كمال (طب شرعي وكيمياء – ليون).
وكانت نفقات الدراسة والإشراف -تم تعيين أستاذ أجنبي مشرفًا في كل دولة- من التبرعات وتم ضم أبناء الأعيان الذين يدرسون بالخارج إلى إشراف البعثة على نفقة ذويهم.
وبعد مشكلة رسالة الدكتوراه الخاصة بمنصور فهمي عن "المرأة المسلمة" والتي أثارت المحافظين والأزهر، واتهمت بالمساس بثوابت الدين الإسلامي، قررت الجامعة عدم التقدم بأي رسالة دكتوراه إلا بعض عرضها على مجلس الجامعة والموافقة عليها سواء قدمت في مصر أو في الخارج.