رئيس التحرير
عصام كامل

مصلحة تركيا أولًا


إن المصلحة فوق كل شىء، وهو ما أدركه رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركى، وذلك رغم تأييده للفلسطينيين.
 
إن التأثير الوحيد حتى الآن لزيارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما لإسرائيل هو إنهاء الأزمة العميقة فى العلاقات بين إسرائيل وتركيا.



حيث استجاب زعماء الدولتين لضغوط أوباما ووافقوا على إلقاء خلافات الماضى خلف ظهورهما، إن أحداث قافلة السفينة التركية مرمرة إلى غزة، تبدو فى الأساس تافهة، إذا قورنت بالعاصفة التى تهب على الشرق الأوسط كله، وتهدد مصالح حيوية تركية وإسرائيلية على حد سواء.

فمنذ كانت حادثة مرمرة، حل بالشرق الأوسط أحداث عدة، فقد سقط نظام حسنى مبارك فى مصر، وتحول الواقع بين إسرائيل وقطاع غزة كليًا، والأمر ذاته فى سوريا، فهبت رياح ثورة دامية تهدد بالانتقال وراء حدود هذه الدولة، إلى الأردن ولبنان وإلى تركيا وإسرائيل أيضا.

نجحت القدس وأنقرة طوال السنوات الــــ 65، التى تواجدت فيها دولة إسرائيل أن تحافظا على قنوات اتصال مفتوحة، وخلق علاقات جيدة بين الدولتين، واستطاعتا أن تنشئا فى بعض الأحيان حلفا استراتيجيا لمواجهة التحديات والتهديدات المشتركة..

إن العلاقات بين تركيا وإسرائيل تواصلت بل تعمقت فى المجال الاقتصادى خلال الأعوام الأخيرة برغم القطيعة السياسية، فإنه على الرغم من ابتعاد السياح الإسرائيليين عن تركيا إلا أن العلاقات التجارية نمت وازدهرت وبلغت أرقاما قياسية.


اعتقد أردوغان وتابعوه أن سياستهم المؤيدة للعرب والمعادية لإسرائيل ستفتح لهم الأسواق العربية، علمًا بأن الاستثمارات التركية الضخمة فى سوريا احترقت منذ سنتين هناك، ونالت تركيا مصيرًا مشابهًا فى الاستثمارات بمصر التى سقطت ضحية لعدم الاستقرار بها..

وفى المقابل تبدو إسرائيل شريكا موثوقا به وواعدا، وينبغى أن نضيف إلى ذلك حقول الغاز فى أنحاء الجانب الشرقى من البحر المتوسط، فالتعاون مع تركيا على استغلال الحقول فى المساحة التركية أو التعاون على بيع الغاز الإسرائيلى بأنابيب إلى أوروبا عن طريق تركيا أمر واعد للدولتين.

إن الثورة فى سوريا راهن عليها أردوغان بأنها لا تنتقل إلى أى مكان إلا أن سوريا أصبحت مستنقعا أخذت تركيا تغرق فيه، وهو لا يعرف كيف سيكون إسقاط بشار الأسد، ولا يعرف كيف يعالج تهديد السلاح المتطور الذى قد يقع فى أيادٍ غير مسئولة، ولا يعرف كيف يعالج التنشيط الكردى فى سوريا، ولا يعرف آخر الأمر كيف يمنع سقوط سوريا فى أيدى مجموعات جهادية متطرفة إذا انهار نظام بشار الأسد فى النهاية.

وثانيًا: إيران.. فالربيع العربى وعدم الاستقرار الذى حل بالشرق الأوسط أظهر بل عمق الهاوية الكبيرة بين تركيا وإيران، حيث تتصارع الدولتان على التأثير وعلى مد النفوذ فى كل من العراق وسوريا والساحة الفلسطينية بل فى لبنان أيضًا.

إن سياسة أردوغان وهو فى بداية ولايته، أتت به إلى وضع صفر من الأصدقاء، فلا نتعجب من أنه يريد حاليًا أصدقاء جددا، وذلك حينما يعانق بحرارة الحكم المستقل الكردى فى العراق ويريد أن يصالح الأكراد فى بلاده، فكان من الطبيعى الآن أن ينزل أيضا من فوق الشجرة ويصالح نتانياهو.

لا يمكن طى الماضى بسهولة، وعلى إسرائيل أن تتذكر أن تركيا يحكمها رئيس وزراء قلبه يميل إلى الجانب الفلسطينى ومع الحركات الإسلامية فى العالم العربى.. لكن المصالح عنده فوق كل شىء، وأردوغان يفهم هذا جيدًا، فهذه المصالح مكنته من المصالحة بين الدولتين وستمكنه أيضا من الدفع بالتعاون الاقتصادى والأمنى أيضا بين الدولتين على ما يبدو وذلك بشكل جزئى على الأقل، وهذا سيكون أمرا جيدا للطرفين.

* نقلًا عن يسرائيل هيوم..
الجريدة الرسمية