المتورطون الحقيقيون في تسريب امتحانات الثانوية العامة!
يطالبنا الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتفكير «خارج الصندوق».. حسنًا سنفعل، وسوف نطبق ذلك على تسريب امتحانات الثانوية العامة، ونسأل: هل من الممكن أن تقف أجهزة استخباراتية، أو جهات «سيادية» وراء التسريب؟
للوهلة الأولى يبدو السؤال مستنكرًا، مستهجنًا.. لكن كما تقول علوم «البحث الجنائي»: «كل الاحتمالات قائمة، ومن الخطأ استبعاد فرضية من الفرضيات»؛ خاصة وأن «التسريب»- بهذه الطريقة، وتلك الكيفية- من الصعب أن يقف وراءه شخص «هاوٍ»، بل يشير إلى وجود منظمومة تخطط جيدًا؛ وتنفذ أهدافها «الخبيثة» التي تصب في صالح أعداء الوطن، سواء كان «المنفذون» من الداخل أو الخارج.
في 1961 فوجئ المصريون بإذاعة إسرائيل (العربية) تعلن عن تسريب امتحانات الثانوية العامة في مصر، وأنها ستنشر أول مادة، وقد كان!
الفضيحة كانت مدوية، استدعت التدخل السريع من الرئيس عبد الناصر.. وقالت «الجهات الأمنية»- آنذاك- إن المتورطين هم بعض الموظفين بالمطابع الأميرية، واعترفوا بأنهم سربوا الامتحان بغرض إعطائه لأولادهم وأقاربهم.. وتمت محاكمتهم.
ولأن مسئولينا عادة لا يتعلمون من الأخطاء السابقة، فقد تكرر «التسريب» عام 1967، وأيضًا نشرت الإذاعة الإسرائيلية أجزاءً منه.. وتم معاقبة المتورطين الذين قيل أيضا إنهم بعض الموظفين بالمطابع.
إذًا قضية «تسريب الامتحانات» كانت موجودة من قبل، وأشار إليها «مهذب السلاموني مهذب»- يوسف داود- في فيلم «الشيطانة التي أحبتني» إنتاج 1990، إلا أنها لم تكن بالصورة «الفضائحية» الحالية؛ إذ اقتصرت على «أبناء كبار الفاسدين»، الذين يشترون كل شيء بـ«المال الحرام»، ولا يطيقون «المذاكرة» كأبناء الشرفاء الكادحين.. وما جعل الفضيحة بجلاجل هذه المرة أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت في متناول الجميع!
لكن هل يمكن الارتكان إلى تحميل «الإخوان» مسئولية «التسريب»، كما اتهمهم الدكتور الهلالي الشربيني، وزير التربية والتعليم؟
كل الاحتمالات قائمة، لكن عن نفسي لا أصدق اتهامات الوزير؛ للأسباب التالية:-
أولًا: قبل امتحانات الثانوية ببضعة أيام حل الدكتور الشربيني ضيفًا علينا في «فيتو»، وخلال حوارنا معه، أكد أن الامتحانات «مُؤَمَّنة تأمينًا على أعلى مستوى»، وأن «أجهزة أمنية استبعدت كل مَنْ له صلة بالإخوان من وضع الأسئلة، وأعمال الكنترول، والمراقبة..» فمَنْ يقف وراء التسريب؟
ثانيًا: إذا كان «الإخوان» بمثل هذه القوة، وهذا النفاذ، فلماذا لم يسربوا الامتحانات في العامين الماضيين؛ انتقامًا للرئيس محمد مرسي؟
ثالثًا: «تأمين الأسئلة» منذ طباعتها وحتى وصولها إلى اللجان، تتم في «حراسة الشرطة»، ما قد يعني تورط أحد القوات أو قيادات التعليم في قضية «التسريب».
رابعًا: قبل الامتحانات بعدة أيام أعلنت اللجنة المشكلة من وزارات «الداخلية، والاتصالات، والتعليم» القبض على أشخاصٍ يديرون «صفحات تسريب الامتحانات» على مواقع التواصل الاجتماعي.. وعقب تسريب امتحاني اللغة العربية والتربية الدينية، أعلن الوزير السيطرة على الموقف، وأنه لن يتم تسريب امتحانات أخرى، فجاءه الرد بتسريب اللغة الإنجليزية على صفحة «شاومينج»!
خامسًا: الشرطة ألقت القبض على الطالب «عبد الله شعبان» بزعم أنه «أدمن» صفحة «شاومينج»، وأحالته إلى النيابة، ورغم ذلك لم يتوقف «التسريب»، بل إن القائمين على الصفحة «تحدوا» وزارتي الداخلية والاتصالات، مؤكدين استحالة «غلق الصفحة»!
هنا نتساءل: مَنْ يدير صحفة «شاومينج»؟ هل هو شخص عادي، أم مسئول قيادي، أم جهاز «نافذ» يستطيع الحصول على «صورة أصل الأسئلة ونموذج الإجابة الرسمي»؟
هل معنى ذلك تورط جهات «سيادية» في تسريب امتحانات الثانوية؟
وارد جدًا.. فمن المحتمل أن يكون «التسريب» حلقة في مسلسل «صراع أجهزة الدولة»، وربما يكشف عن التنظيم الذي يعبث بمستقبل الوطن.. ولا يعنيه الكادحين، ولا المسحوقين.
كما أن «التسريب» ربما يكون القصد منه إدارة البلاد بـ«صناعة الأزمات»؛ بهدف إلهاء الناس عن مشكلات حياتية تمثل تهديدًا لـ«رأس النظام»، مثل الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الغذائية، والخدمات الحكومية.. أو ربما لإبعاد الأنظار عن قضايا كبرى كأزمة «سد النهضة»، أو «تيران وصنافير»، أو أزمة الصحفيين، أو تقرير هشام جنينة الخاص بـ«فاتورة الفساد».
ووفقًا لنظرية «المؤامرة»، فليس من المستبعد وقوف أجهزة «سيادية» وراء «التسريب»؛ لاتخاذه ذريعة لـ«إغلاق مواقع التواصل الاجتماعي»- التي أصبحت «صداعًا» في رأس النظام- بزعم «خطورتها على الأمن القومي»، أو لـ«منع استغلالها في الغش»، وقد رأينا بوادر ذلك من خلال مطالب بعض النواب للحكومة بإغلاق هذه المواقع.. وهو ما أكده النائب، والصحفي، والإعلامي، والمحلل السياسي، والخبير الأمني، مصطفى بكري، عبر «تويتر» قائلًا: «تسرب أسئلة الامتحان عبر الصفحات المشبوهة على فيس بوك يوجب على الحكومة اتخاذ كل الإجراءات لوضع حد لهذه المهزلة، حتى ولو أدى إلى وقف الفيس، وإغلاق كل الصفحات لفترة مؤقتة.. هذه قضية أمن قومي، ويجب التعامل معها بالحسم؛ رحمة بالأسر والطلاب».
جملة اعتراضية
تقرير مؤشرات جودة التعليم، الصادر عن منتدى «دافوس» في 2015، قال إن مصر تحتل المركز 139 بين 140 دولة حول العالم.. المدهش أن مصر لم «تتزحزح» عن هذا المركز «4 سنوات متتالية»، بينما حصلت دول أخرى أقل دخلًا من مصر على مكانة تعليمية أفضل؛ لذا فإن دولًا كثيرة، من بينها دول أفريقية، أصبحت لا تعترف بالشهادات التعليمية المصرية، حتى لو كانت درجة الدكتوراه.
فاصلة منقوطة
إذا عرفنا مَنْ هم «أهل الشر» الذين يقصدهم «السيسي»، سنعرف الذين يسربون امتحانات الثانوية العامة!