الامتحان بـ 5 جنيهات..منظومة فاسدة
أصاب الإحباط عشرات الآلاف من أبنائنا طلاب الثانوية العامة المجتهدين، مع تسريب امتحانات اليوم الأول لمادتي اللغة العربية والتربية الدينية، وهم الذين درسوا طوال العام، وواصلوا الليل بالنهار بين الالتزام المدرسي ومتابعة الدروس الخصوصية في جميع المواد ثم الدراسة المنزلية لإنهاء الواجبات والإلمام بالمواد..انهكوا صحيا ونفسيا، فضلا عن تكبد آبائهم مبالغ طائلة لتغطية تكاليف الدروس الخصوصية، وبعد كل هذا تأتي قلة قليلة لم تدرس أو تتعب أو تسهر أو تعاني وتتفوق عليهم لمجرد أن أصحابهم وصلتهم أسئلة الامتحانات مع إجاباتها النموذجية، وما عليهم سوى حفظها ليلة الاختبار، ليضيع مجهود عام كامل وتعب آلاف الأسر، بسبب فساد استشرى في منظومة التعليم، وفقد معه كثير من قيادات الوزارة ضمائرهم، فسربوا الاختبارات ومعها الإجابات وأشاعوا الرعب والإحباط في نفوس الشعب كله.
وفي تحد سافر للدولة نشر أدمن صفحة "شاومينج" شروطه العبثية لوقف تسريب اختبارات الثانوية العامة مع إجاباتها، ونفذ تهديده بتسريب اختبار اللغة الإنجليزية، الذي وصل لبعض الطلبة على هواتفهم مساء، ثم قام بعض الصبية ببيعه بـ 5 جنيهات أمام المدارس صبيحة يوم الاختبار، لكن لم يتوقع الجميع أن الرئاسة تدخلت كعادتها لحفظ ماء وجه الحكومة وإنقاذ سمعة مصر، فقد أصدر الرئيس السيسي تعليماته بعدم تدخل قيادات وزارة التربية والتعليم في بقية امتحانات الثانوية العامة فور تسريب اختبارات اليوم الأول وإحالة 12 من المسئولين عن الامتحانات إلى النيابة، التي أمرت بحبسهم 15 يوما على ذمة التحقيق. كما كلف الرئيس جهة سيادية بتولي تأمين الامتحانات، مع وضع اختبارات بديلة تحسبا لتسريب الاختبارات المعدة بشكل مسبق، وهكذا فوت الرئيس السيسي الفرصة على من أراد كشف ستر مصر وإظهارها كدولة فوضوية منفلتة.
مر الغش الدراسي في مصر بمراحل عدة وتطور مع الزمن، وبعد أن كان الأهل ينتظرون تسريب ورقة الأسئلة على باب المدرسة ويلقنون الطلبة الإجابات عن طريق مكبرات صوت، إلى "البراشيم" بوسائلها المبتكرة، والغش الجماعي بتهديد المراقبين، ثم الغش الهاتفي وصولا إلى الغش الإلكتروني، وهذا الأخير بات ظاهرة تفشت عربيا حيث أعلنت دولتان عربيتان عن ذلك، أولهما سورية التي تعاني حربا وفوضى منذ 5 سنوات، ومع هذا واجهت الغش الإلكتروني هذا العام بطريقة تتلاءم مع ظروفها، فقد منعت الحرب عقد امتحانات موحدة وعامة في البلد كلها واستعيض عنها باختبارات مناطقية، وهنا لجأت الحكومة السورية إلى إيقاف خدمة الإنترنت بشكل كامل لمدة 4 ساعات في المناطق التي تشهد اختبارات دراسية لقطع الطريق على الغش الإلكتروني ونجحت في ذلك، رغم شكوى المستشفيات والهيئات الحكومية من تعطل أعمالها خلال الساعات الأربع.
أما في الكويت فتحول الغش الإلكتروني إلى تجارة مربحة، حيث يضطر طلاب الثانوية العامة إلى شراء سماعة "بلوتوث" صغيرة جدا يصعب رؤيتها مرتبطة بشريحة إنترنت لا تحتاج إلى هاتف نظرا لمنع إدخال الهواتف إلى لجان الاختبارات، وهذه الشريحة لها "كود" لدى "أدمن" الغش الإلكتروني، الذي يبيع الشرائح والسماعات بمبلغ كبير، ثم يتقاضى مبلغا آخر عن كل اختبار يلقن إجاباته للطلاب في وقت متزامن، وهو ينال أتعابه إما عن طريق وسيط أو بتحويل المبالغ المتفق عليها سلفا على حساب بنكي في دولة أخرى.
بالعودة إلى مصر نجد ثمة تعمد في الإضرار بمصلحة الوزارة، وبالتالي تشويه سمعة مصر وإلحاق الأذى بمستقبل آلاف الطلاب الشرفاء المجتهدين، لمصلحة قلة من المتقاعسين، وبعد أن كان التسريب يقتصر في السنوات الماضية على أسئلة الاختبار فقط، ازداد التبجح وتحدي الدولة بتسريب الأسئلة والإجابات النموذجية ما يعني أن جريمة التسريب محصورة في دائرة ضيقة من قيادات الوزارة ومسئولي الامتحانات والمطبعة السرية، وعن طريق هؤلاء تصل الاختبارات إلى "شاومينج" وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، ما يستوجب العمل فورا على تطهير الوزارة من العناصر الفاسدة بداية من القيادات مرورا بمن دونهم من المساعدين وصولا إلى الهيئة التدريسية، مع إعلان الحرب الشاملة على الدروس الخصوصية، وقبل كل هذا إقالة الوزير على فضيحة التسريب.