رئيس التحرير
عصام كامل

الدعوي والسياسي


بعد تجربة خوض الإخوان الانتخابات البرلمانية على قوائم حزب الوفد عام ١٩٨٤، ارتأى الأستاذ عمر التلمسانى (رحمه الله)، بثاقب فكره وبعد نظره أنه لابد للإخوان من حزب يعبر عن أفكارهم وآرائهم في مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية من ناحية، وينافسون على بعض المقاعد البرلمانية من ناحية أخرى.. وقد لقيت هذه الفكرة رفضا وصدودا من قبل أعضاء مكتب الإرشاد الذين رأوا فيها خروجا على فكر الأستاذ البنا، الذي كان رافضا المسألة الحزبية، ويعتبرها أحد أهم الأسباب وراء تشرذم وفرقة المجتمع المصرى، في وقت كان في أمس الحاجة إلى الوحدة من أجل قضية الاستقلال.. وقد توفى الأستاذ عمر التلمسانى دون أن يحصل على موافقة إخوانه أعضاء مكتب الإرشاد..


وفى بداية عهد الأستاذ محمد حامد أبو النصر (رحمه الله)، تمت مناقشة مسالة الحزب، إلا أن المجتمعين آنذاك لم يصلوا إلى حل.. وظل الأمر يراوح مكانه إلى أن جاء عام ١٩٨٩، حيث اجتمع مجلس شورى الجماعة وطرح عليه موضوع إنشاء الحزب.. ومن خلال المناقشة، تكونت قناعة لدى الأغلبية بضرورة إنشاء الحزب، وبالفعل تم التصويت عليه وحاز الأغلبية المطلقة.. صحيح أن الأمر لم يناقش بشكل جاد على مستوى القواعد، وصحيح أيضًا أن الاستقراء العام كان في اتجاه عدم إنشاء حزب، لكن كان هناك إصرار من مكتب الإرشاد على هذه القضية..

في مجلس شورى الإخوان الذي انعقد في يناير ١٩٩٥، تعزز قرار إنشاء الحزب.. وكان هناك خلاف هو: هل تتحول الجماعة إلى حزب، بحيث يصير الحزب متضمنا لكل هياكلها وأنظمتها وأنشطتها، أم تبقى الجماعة على حالها ويكون الحزب فرعا أو قسما من أقسامها شأنه في ذلك شأن بقية الأقسام؛ كقسم الأسر والتربية، وقسم نشر الدعوة، وقسم الأخوات، وقسم المهنيين..إلخ؟ وفى النهاية ترك الأمر لمكتب الإرشاد ليحدد متى وكيف، أي متى يعلن أو يتقدم للجنة شئون الأحزاب لإنشاء حزب، وكيف يكون وضعه وهل تتحول الجماعة كلها إلى حزب، أم يكون الحزب فرعا من فروعها؟ ظلت هذه القضية عالقة إلى ما بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، حيث تمت الموافقة بالفعل على إنشاء حزب للإخوان..

وللأسف، قررت قيادة الجماعة آنذاك أن يكون الحزب فرعا سياسيا للجماعة، ولم يكن هناك أي فصل بينهما.. بل كانت قيادات الجماعة تتطوع لشرح رؤية الحزب في كل القضايا.. وبعد وصول الإخوان إلى حكم مصر، كانت قيادة الجماعة هي التي تحكم مصر، وكانت تعتبر قصر الاتحادية شعبة من شعب الإخوان!

لذا، كان الشعب المصرى عبقريا عندما ثار في ٣٠ يونيو عام ٢٠١٣، وهتافاته تشق عنان السماء: "يسقط.. يسقط حكم المرشد".. من المؤكد أن تجربة الإخوان في مصر تركت آثارا سلبية على بقية تنظيمات الإخوان في الدول المختلفة.. وقد رأينا في الأيام القليلة الماضية، أن حركة النهضة بقيادة راشد الغنوشى تعلن في مؤتمرها العام فصلها بين الدعوي والسياسي..

فهل يقصد به فصل عضوي، أي فصل كامل بين الحزب والحركة، بحيث يكون لكل منهما جسمه العام وقياداته ومنهاجه وأهدافه ووسائله وأساليبه وأدواته؟ أم يكون الجسم (الحركة والحزب) واحدا، ويكون الفصل في القيادات (الرئيسية والفرعية) والمنهج والأهداف والوسائل والأدوات؟ أعتقد أننا بصدد الحالة الثانية، فالحزب يتقوى بالجسم العام للحركة، وتبقى قيادات الحزب هي المهيمنة عليه فيما يخصها.. في ذات الوقت، تقوم الحركة بالنشاط الدعوى على المستوى المجتمعى العام.. أتصور أيضًا أن الحركة سوف تكون موصولة بالتنظيم الدولى للجماعة، مركزيا ولا مركزيا..
الجريدة الرسمية