رئيس التحرير
عصام كامل

حواديت رمضانية «الحلقة الأولى»..«ملك نشر العدل في فلسطين واستقل بها عن الدولة العثمانية»..«ظاهر العمر»أسس جيشا حديثا..ونشر الحرية الدينية..تحالف مع على بك الكبير..والخيان

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

لكل بلد أبوزيد الهلالي الخاص بها، بطل شعبي قد يكون من نسج الخيال الذي يتطلع إلى الفارس العادل أو قد يكون حقيقيًا، وظاهر العمر الزبداني لم يكن إلا حقيقة واقعة عاصرها أناس حلفوا بعدله ونزاهته وفروسيته ونعموا في ذلك العصر الذي تولى فيه الحكم ليكون بطلًا شعبيًا وحاكمًا عادلًأ وصاحب مشروع دولة مستقلة عن الخلافة العثمانية.


المكان هو فلسطين، أما الزمان فكان في أواخر القرن السادس عشر وبعيدًا عن تاريخ فلسطين الذي تلخص في الحروب الصليبية والصراع العربي الإسرائيلي هناك بطل اسمه ظاهر العمر الزبداني ولد في عام 1689 وتوفي في 1775.

وستكون أول الحواديت الرمضانية التي ستنشرها «فيتو» خلال أيام شهر رمضان الكريم هو قصة الرجل الذي أقام الدولة العربية متحديًا سلطة أقوى دولة في هذا الوقت وهي الدولة العثمانية.

والبداية عن ظاهر العمر الزبداني حين شعر أبوه بالمرض فخير أبناءه الأربعة سعد، صالح، يوسف، أما ظاهر فكان أصغرهم من منهم سيخلفه في مهنة «المتسلم» وتعني جمع الضرائب وإرسالها إلى الدولة المركزية وعاصمتها الآستانة في ذلك الوقت.

كل الدلائل كانت تشير إلى أن «ظاهر» الذي عرف عنه النزاهة والفروسية هو من سيتولى تلك المهمة وبالفعل تولاها وكانت أولى مهامه هي أن يقيم العدل بين الناس وكان أول تلك السمات حين جاء رجال الخليفة يعيثون في طبرية التي تسلمها ظاهر فسادًا فتركهم حتى آخر اليوم ثم أمر رجاله بالقبض عليهم وهنا ثار رجال الخليفة فرد «ظاهر» عليهم بحسم خذوا أموال الدولة ومن يقترف جرمًا سأقتله، وبدأ في تأسيس حكمه الذي يمتد على تلك القاعدة وهي إرسال مال الدولة للدولة على أن يتركوا الناس في حالهم.

المشكلات
المشكلات كثيرة، كان أولها العرب الذين يغيرون على القوافل في ذلك الوقت وأطلق عليها عرب الصقر وأميرهم رشيد الجبر، وعقد ظاهر معهم اتفاقية أن يرسل لهم ما يكفيهم كل شهر شريطة ألا يهاجموا أحدا، وخلال حروبه المتعددة نقض عرب الصقر عهودهم أكثر من مرة ومنحهم ظاهر الأمان أكثر من مرة وحين غضب «سعد» الأخ الأكبر لـ«ظاهر» كان رد الأخير«أريد أن يزرع الناس في أمان ويأكلوا في أمان انظر حولك منذ ثلاث سنوات وهم لا يخشون شيئًا هذا ما أريده ولا أريد إراقة الدماء»

التوسع
لم يكن هم ظاهر العمر الزبداني هو أن يحكم طبرية فقط بل كان ينظر بعيدًا إلى دولة لها أركانها، ومن ثم عمل على تأسيسها بأكثر من طريق أولها مصاهرة بعض العائلات الكبيرة ثم استلام قرية وراء أخرى كان أولها قرية «عرابة» التي استلمها ليضمها إلى ملكه وما إن انتشر العدل حتى سارع باقي القرى يستنجدون به ضد متسلميهم الفاسدين فضم إليه الطابغة وعكا وحيفا شفا عمرو والجليل فلقبه الناس بملك الجليل.

التعاون مع الدول الكبرى

استمر ظاهر العمر في التوسع حتى أضحت بلاده بمثابة دولة داخل الدولة، ليبدأ مرحلة أخرى وهي التعاون مع الدول الكبرى في ذلك الوقت فرنسا وإنجلترا وذلك من خلال توريد القطن لهم، ولكن مقابل أسلحة حديثة ووجد رجال الأعمال في أرض ظاهر العمر خاصة عكا أرضًا خصبة للتجارة.

لم يكن التوسع والتسليح الجيد الذي أضفاه ملك الجليل هو سر استمرار ملكه بل كان هناك شيء آخر وهو التسامح الديني وقد عاتبه أخوه «سعد» بسبب سماحه للكنائس أن تبنى دون أي ملحوظات وكذلك الأمر مع اليهود وكان رده أن من يحاربنا مسلمون، ومن يقتلنا مسلمون، ومن دخل عكا لن أسأله عن دينه وسيعيشون جميعًا بسلامه.

أمر آخر يدلل على تسامح ملك الجليل أثناء إحدى حروبه وقد حوصرت طبرية وكان ضمن قادته رجل يسمى جريس وحل عيد الزواج الأول له، ولما رآه ظاهر العمر سأله لماذا غاضب تلك الليلة فرد لأن امرأتي تنتظرني نحتفل بعيد زواجنا الأول فرد عليه ملك الجيل اذهب واحتفل وسأجئ معك وحين خجل «جريس» من ملك الجليل رد الأخير إننا نفعل كل ما نفعل حتى لا تعكر الحرب صفونا وبالفعل ذهب معه وكانت العادة أن يضع الزوجان خاتم الزواج في كأس فيه نبيذ ولم تستطع امرأة «جريس» أن تضع خمرًا في حضرة ملك الجليل فقال له لم أجئ لأفسد فرحتكم الخمر محرم لدينا وحلال لكم افعلا ما تفعلاه.

اختيار الرجال
اختيار الرجال وكيفية ضمان ولائهم سمة اتسم بها ملك الجليل ولعل أبرز مثال هو أن قائد جيشه «الدنكزلي» كان في البداية جنديا يقاوم ضده في أحد الحروب ولما رآه فارسًا أوصى بمعاملته الحسنة بعد انتصار ملك الجليل ثم طلب منه أن ينضم إليه فوافق الدنكزلي الذي سأله لماذا تختارني فرد ظاهر رجل يحارب من أجل سيده بكل تلك الفروسية هو نعم الرجال.

الدولة العثمانية
لم تغفل الدولة العثمانية يومًا عما يفعله «ظاهر» من توسعات وكان وكيلها في الحروب هو وزير دمشق الذي تعد كل المقاطعات التي يملكها «ظاهر» تحت رعايته ومن ثم أطلق الوزير تلو الآخر يهاجمه لكن استطاع ملك الجليل بفضل الجيش الذي أسسه على أحدث الطرق وقتها والمدافع التي اشتراها من الدول الكبرى نظير محصول القطن أن يصد كل دفاع إلى أن جاء سليمان أغا الذي أقسم أن يحطم أسوار طبرية التي أعاد بناءها ظاهر العمر.

الحصار
علم ملك الجليل الذي أرسل في كل منطقة رجالا يعيشون فيها وينقلون أخبارها له أن هناك نية للحرب واستطاع أن يؤمن المدينة بما تكفيه من مؤن لشهور طوال ومياه وكل ما يلزمهم من بيوت ثم أغلق طبرية وجعل جنوده على كل برج حتى جاء سليمان أغا الذي ضرب حصارا حولها من كل الجهات وظل يطلق مدافعه الحديثة التي سقطت في قلب طبرية.

خلال حصار امتد أسابيع امتنع «ظاهر» عن الرد وامتنع سليمان أغا عن الاقتراب من أسوار طبرية لأنه كان يعلم أن هذا الأمر يعني الهلاك، وخلال تلك الأسابيع كانت هناك مناوشات من رجال «ظاهر» أقواها إطلاق سهام على خيمة سليمان أغا وزير دمشق دون أن يقتلوه لعله يفهم الرسالة أنهم قادرون على الوصول إليه، وفي الوقت ذاته إرسال رسول يطلب الصلح أن يجلي سليمان أغا بجيشه ويترك طبرية بسلام مقابل ألا يتكبد تلك الخسائر التي خسرها بسبب إطلاق مدافع غالية الثمن لن تجدي لو استمر الأمر عامًا كاملًا في ظل تحصين كامل من المؤن التموينية لسكان طبرية ورقابة صارمة على الأسعار حتى لا تزيد فيشعر الناس بالجوع.
انتهى الأمر بانسحاب سليمان أغا بعد أن وافق ظاهر العمر أن يهدم حجرين من سور قلعته حتى لا يشعر الوزير بالخزي وانتصر ملك الجليل الذي صار يوسع ملكه ويوطد حكمه أكثر فأكثر.

الأمان
أن تسلك المرأة طريقها بأمان هو معنى الدولة عند ملك الجليل ولذلك طلب أن تأتيه أجمل امرأة وزينها ثم قال لها انطلقي في كل ربوع الجليل وحدك وأطلق وراءها جنديين يراقبانها من بعيد، وطافت المرأة دون أن تعرف لماذا وحين عادت قال لها ظاهر هل ضايقك أحد فقالت لا إلا رجل واحد وما هي إلا لحظات حتى كان الرجل تحت قدميها بعد أن أحضره الجنديان وفي صباح اليوم التالي شنقه ظاهر العمر قائلًا هذا مصير من يعترض النساء في الجليل.

تدور الأيام ويقع ابن ملك الجليل «عثمان» في نفس الفخ ويعترض امرأة فلم يجد ملك الجليل بدًا من تنفيذ الأمر ولف حبل المشنقة حوله وحاول أن يتدخل الكثيرون وأشفق «ظاهر» على مصير حفيده ابن عثمان الذي يحبه وفي النهاية أوصى أن تكون المرأة هي الحكم وأن تأتي وتحكم أما هو – أي ظاهر – سيبتعد حتى لا يؤثر عليها وبالفعل فلت عثمان بسبب عفو المرأة.

مر الزمن وكبر أولاد «ظاهر» وبدا لهم أطماع في الحكم، وأعطى لكل منهم ضاحية يكون متسلمها على أن يعدل مع الناس وحين طالبوا بمزيد من الأراضي ذهب إليهم بجيش كبير حتى يعطوا للناس حقوقهم وبالفعل أذعنوا له، وفي تلك الفترة عاودت دمشق الحرب مرة أخرى ولكن تلك المرة من خلال عثمان بك الذي خرج بجيش دمشق من أجل القضاء على ظاهر فانتصر ظاهر عليه مرة أخرى ليؤكد نفوذه وبعد تحالف مع على بك الكبير الذي كان يحارب هو الآخر من أجل إقامة دولة مستقلة.

النهاية
كانت النهاية مأسوية وذلك بعد أن ناصر ظاهر العمر على بك الكبير في مصر من أجل الاستقلال ولما هزم من رجله محمد أبوالدهب انطلق الأخير إلى فلسطين وحارب ملك الجليل واستولى على حكمه وذلك بمناصرة أولاد ظاهر نفسه.

الخيانة كانت هي الطريق لنهاية أسطورة فلسطين بعد أن قررت الدولة التخلص من ظاهر العمر واستعانت بمحمد أبوالدهب الذي استطاع أن يستميل قائد قوات ظاهر ليجد الرجل الثمانيني نفسه فريسة لرجاله الذين يخونونه فيموت على باب عكا بيد الدنكزلي قائد قواته وليغلق صفحة مضيئة يعتز بها كل فلسطيني.
الجريدة الرسمية