الشماتة.. والإخوان«الشامتون»!
«الشَّمَاتَة»- كما فسرها البعض- هي الفَرَح بـ«بلوى» نزلت على مَن تعاديه ويعاديك.. وقيل أيضًا: مرضٌ يُدخل السرور على النَّفس بما يصيب غيرها من الأضرار.
وفي كتابه «إحياء علوم الدين»، قال الإمام أبو حامد الغزَّالي: («الشَّمَاتَة»: «الفَرَح بالشَّرِّ الواصل إلى غير المستَحِق، ممَّن يعرفه الشَّامت»).
وتعلمنا وتربينا على: «لا تُظهر الشَّماتة بأخيك؛ فيرحمه الله ويبتليك».. لكن للأسف، فرق كبير بين ما تعلمناه وتربينا عليه، وما نمارسه من سلوكيات «منحرفة» على أرض الواقع.
لقد أظهر كثير منا «الشَّمَاتَة» في الرئيس «المخلوع» حسني مبارك وأفراد أسرته.. لم تهتز ضمائرنا ونحن نلعنهم، ونخوض في أعراضهم بعيدًا عن قضايا «الفساد» المتهمين فيها.. ونصَّبنا أنفسنا قضاة يصدرون أحكامًا عليهم، دون الاستماع لدفاعهم.. بل وزايدنا على القضاء نفسه، ولم تعجبنا أحكامه، وطالبنا بأحكام على أمزجتنا.
«الإخوان» و«النشطاء» تصدروا مشهد «الشامتين» في «مبارك وأولاده»، تشفوا فيهم.. لم تأخذهم بهم شفقة ولا رحمة.. صوَّروا للمصريين أن كل مشكلاتهم ستُحل بمجرد إعدامهم في ميدان عام دون حكم قضائي.. وللأسف انساقت «أقلام كبيرة» وراء شائعاتهم، وراحت تزايد عليهم؛ لغرض ما في نفوسهم.
ثم انقلبت الآية.. وأصبح «الإخوان» على رأس السلطة، وفعلوا أسوأ من ما فعله «مبارك».. وعندما «سقطوا» اختفتْ تقريبًا الأصوات «العاقلة» التي تطالب بمحاكمة رموزهم على الجرائم التي ارتكبوها فقط، بعيدًا عن المزايدات و«التشفي».. لكن هيهات هيهات.. فقد وصل الانحطاط ببعضنا إلى درجة «الشماتة» في قتلى الإخوان، وحرقهم في «رابعة»؛ معتبرين ذلك حكمًا عادلًا على جرائمهم بحق الشعب!
وكما هو الحاصل على أرض الواقع، يلجأ كل طرف إلى «تصفية» خصومه بـ«أقذر الوسائل».. فلم يتوان ما يُطلق عليهم «أعداء يناير» عن «تشويه» ما يُسمى بـ«النشطاء»، متهمين إياهم بأبشع التهم، وأظهروا الشماتة فيهم، حتى وهم «خلف القضبان»!
ومارس البعض مثل هذا السلوك المنحرف مع «حمدين صباحي»، عندما ترشح للرئاسة، وخسر أمام «عبد الفتاح السيسي»!
وعندما سقطت الطائرة الروسية عقب إقلاعها من مطار شرم الشيخ، لم يستطع بعض «الشامتين» إخفاء مرضهم، وأطلقوا لسانهم العليل، وسهامهم المسمومة لـ«التشفي» في «السيسي» ونظامه.. ونفس الحال تكرر مع مأساة المصريين الذين قتلهم «داعش» في ليبيا، والطائرة المصرية المنكوبة.. وكأنهم يصفون حساباتهم مع المصريين لا مع النظام.
ولم يتورع بعض المحسوبين على «السيسي» في إظهار «الشماتة» في أزمة «المحامين»، و«الأطباء»، و«الصحفيين»، والرافضين لانتهاكات بعض أجهزة الدولة، وخرقها للقانون.. ويستغلون سيطرتهم على بعض وسائل الإعلام للترويج لنظرية «المؤامرة الديليفري»، ولا يعترفون بأي تقصير أو إهمال من جانب النظام.
ورأينا كثيرا من «الزملكاوية» يشمتون في «الأهلوية»، حتى لو كان الأحمر يلعب أمام فرقة أجنبية.. والعكس أيضًا.
وللأسف.. لم تعد «الشماتة» سلوكًا شخصيًا «شاذًا» فقط، بل أصبحت سمة بعض الدول أيضا.. فقد رأينا «شماتة» النظام القطري في أزمات وكوارث المصريين، والعكس.. ورأينا «الشماتة» المتبادلة بين السعودية وإيران.. و«شماتة» بعض المصريين في مصائب تركيا الأردوغانية.
حتى الدول الراسخة في الديمقراطية لم تسلم من إظهار «الشماتة» في كوارث غيرها.. فهاهو الإعلام الروسي يعلن مسئولية «داعش» عن إسقاط الطائرة المصرية؛ ردًا على الإعلام الغربي الذي تسرع في إعلان «داعش» مسئوليته عن إسقاط الطائرة الروسية في سيناء، استباقا لنتائج التحقيقات.
ماذا يعني ذلك؟ يعني أننا بدأنا ننسلخ من إنسانيتنا.. يعني أننا ننحرف عن فطرتنا السليمة التي فطرنا الله عليها.. وهذا يتطلب منا جميعًا مؤسسات ومنظمات وأفرادا الكف عن هذا «العبث»، وتبني خطابٍ محترمٍ، معتدلٍ، بعيدًا عن مصطلحات «الشماتة»، و«الصفاقة»؛ حتى نعود إلى آدميتنا.. لأننا لو ظللنا على هذه الحالة سنفقد الثقة في الجميع.