رئيس التحرير
عصام كامل

مستقبل مصر في يد «الغشاشين»!!


لم أندهش لجريمة «الغش» التي شهدها امتحان «اللغة العربية» للثانوية العامة، ولا لإلغاء «التربية الدينية» بسبب «تسريب» الامتحان قبل موعده بساعة ونصف الساعة، حسبما قال المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم، بينما أكد طلاب وأولياء أمور أن الأسئلة والإجابات «النموذجية» للمادتين كانت تباع في المكتبات «ليلة الامتحان»!


لقد أصبح معظمنا يتعامل مع الغش بـ«ميكافيللية قذرة»، ووفق منهج: (يبقى اسمه «تهامي» ويركب سيارة «مرسيدس»، ولّا يبقى اسمه «شادي» ويتشعبط في «الأتوبيسات»؟!).. أي: «تغش» وتحصل على مجموع «كبير» وتلتحق بكلية «قمة»، أم تذاكر وتحصل على مجموع «صغير» لا يكفي لالتحاقك بـ«معهد التسريب العالي للغش المتطور»؟!

نعم.. قبل انتقاد المسئولين، واتهامهم بالتقصير، وتحميلهم المسئولية، علينا توجيه اللوم لأنفسنا -نحن الأهالي والطلبة- أولًا؛ فالعيب فينا قبل أن يكون في المسئولين القائمين على وزارة «التعمية والتكتيم».

فكم مرة «غششنا» فيها.. كم مرة ملأنا الدنيا صراخًا، وعويلًا لمجرد أن جزئية في الامتحان جاءت «صعبة»، أو سؤال «غير مباشر»، يحرض «العقل» على «التفكير».. كم مرة «لَعنَّا سلسفيل المراقبين»؛ لأنهم كانوا «ماسكين اللجنة»، ولم يسمحوا بـ«الغش» لفلذات أكبادنا؟

بل كم مرة باركنا أولادنا، وحرضناهم على «الغش»، بدلًا من حثهم على «المذاكرة»، و«الاجتهاد»؛ فكانت النتيجة أن أصبح عندنا رئيس وزراء «يرفع» المفعول، ووزير داخلية «يسحل» الفاعل، ورئيس برلمان «ينصب» المضاف إليه.. ووزير «تعليم» يخطئ في «الإملاء».. ونوابٌ، وسياسيون، وأكاديميون لا يعرفون الفارق بين «الهاء» و«التاء المربوطة»!

لقد أصبح الغش «قاعدة»، بعدما كان «استثناءً».. بات مدعاة لـ«التفاخر»، و«التباهي»، و«الفهلوة»، بعدما كان «مستقبحًا»، «مستنكرًا»، «مستقذرًا».. وتوارى الحديث الشريف: «مَنْ غشنا فليس منها»، أمام مقولة: «لكل غشاش نصيب».. واختفت الحكمة القائلة: «مَنْ جد وجد، ومَنْ زرع حصد»، و«لكل مجتهدٍ نصيب»، أمام مقولات «سلبية» على غرار: «نام وارتاح يأتيك النجاح»، و«نام واتغطى بالبطانية تطلع الأول في الكلية»، و«إذا كان من حقك أن تذاكر فمن حقي أن أغش».. فماذا ننتظر بعد ذلك؟!

التعليم عندنا يبدأ وينتهي بـ«التلقين»، و«الحفظ»، و«حشو» العقول بمعلومات ومواد «عقيمة».. وحتى نثبت لأنفسنا أننا نسير في طريق النجاح، نداري على «خيبتنا الثقيلة» بـ«رشاوى المدرسين» بـ«الدروس الخصوصية»؛ ليسمحوا لنا بـ«الغش التعاوني».. في حين تحتكر الدولة «الغش الرسمي»؛ بتوفير امتحانات «سهلة» بزعم الالتزام بالمنهج «المقرر».. أو بالضغط من «القيادات» على مديري المدارس والإدارات لـ«رفع نسبة النجاح».. فتكون النتيجة: مجاميع مرتفعة، وعقول فارغة، وملايين الخريجين الذين لا يرقى مستواهم إلى مستوى خريجي «محو الأمية».

وللأسف لم يعد الغش مقتصرًا على التعليم العام فقط، بل تغلغل في «الأزهر» أيضًا.. وتجسدت أركان هذه الجريمة في محاضر الغش للطلبة «المُعممين»، حتى في مادة «القرآن الكريم».. ورأينا أئمة وخطباء مساجد هم للجهل أقرب من العلم.. فكيف اجتاز هؤلاء امتحاني القرآن -«الشفوي والتحريري»- إلا إذا كانوا قد نجحوا بـ«الغش»؟!

وللأمانة فإن «الغش» لم يعد مقتصرًا على «التعليم»، بل أصبحنا نطالعه في كل المجالات.. غش «ديني».. غش تجاري.. غش صناعي.. غش في مواد البناء.. غش وسرقات رسائل ماجستير ودكتوراه بين أساتذة الجامعات.. غش وتزوير في الانتخابات.. غش في «استطلاعات رأي» تُظهر رضاء «91%» من المصريين عن أداء الرئيس، رغم وجود مؤشرات «قوية» على تراجع شعبيته.. إلخ.

إذن نحن بانتظار «مستقبل» يقودنا فيه مجموعة من «الغشاشين»؛ فالطالب «الغشاش» هو «قائد» المستقبل.. فكيف نطمئن على مستقبلنا الذي سيكون مرهونًا بقيادات تربوا على «الغش»، ونجحوا بـ«الغش»، وتوظفوا بـ«الغش»، ووصلوا إلى مناصبهم القيادية بـ«الغش»؟!

إن الأمر جد خطير، ولا بد من تشكيل لجان متخصصة لدراسة هذه الآفة الاجتماعية الخطيرة، والوقوف على أسبابها، وتقديم مقترحات لحلها.. على أن تتضمن هذه المقترحات سن قانون صريح لـ«تجريم الغش»، واعتباره كجريمة «الخيانة العظمى»، ولا ينبغي التهاون في تنفيذ العقوبات «المغلظة» على فاعله، ومَنْ يسهله.

ثم علينا بتطوير نظام «التقويم»، بحيث لا يعتمد على درجات الامتحانات فقط، بل أيضًا على وسائل حديثة لا مجال فيها للغش.. بجانب العمل على إعادة الثقة بين البيت والمدرسة؛ للحد من انتشار المفاهيم والسلوكيات الخاطئة.. بالإضافة إلى إحياء الوازع الديني والأخلاقي في نفوس الطلاب وأولياء أمورهم.
الجريدة الرسمية