رئيس التحرير
عصام كامل

إمارة المنيا تُعري الجميع


كنت أعلم أن المتطرفين يكرهوننا، لكن ليس لدرجة أن يتجاوز الأمر الاعتداءات والحرق بحق جيرانهم أقباط قرية "الكرم"، إلى جريمة شرف غير أخلاقية، لمجرد إشاعة نفاها أصحابها..


كنت أعلم أن مؤسسات بالدولة متواطئة، لكن ليس بالشكل أن يتراخي الأمن عن الاهتمام بمخاوف الأقباط قبل الأحداث رغم البلاغات، ثم الوصول الأمني بعد ساعتين من بدايتها.. "كنت أعلم أننا نعيش حالة انحطاط، لكن ليس لهذا المستوي، بأن يتلذذ عدة آلاف بتعرية ٍسيدة مسنة، ويسيرون بها في الشوارع، في بقعة من الأرض ثقافتها "أن الموت أهون من تعرية امرأة".

كنت أعلم أن لدينا رئيس حكومة غائبا - ربما لا يعرف الكثير من المصريين اسمه حتى الآن - لكن ليس لدرجة أن يخرج أول بيان حكومي بعد أربعة أيام من الحادث..

كنت أعلم أن رئيس الجمهورية ليس لديه عصا سحرية، وأن الأزمة في معاونيه، لكن ليس لدرجة أن يعتذر الرئيس لـ "تعرية" امرأة، فيتم القبض على شهود إثبات الواقعة ثم يخرجون علينا بأنه لم تحدث "تعرية" من الأساس، وحتى كتابة هذه الكلمات لم يتم إقالة محافظ أو مدير أمن المنيا..

كنت أعلم أننا نعيش في دولة لا تقدر وطنية ولا مواقف الأقباط، لكن ليس مع أقباط المنيا، وليس مع نيافة الأنبا مكاريوس تحديدًا. فبعد فض اعتصام "رابعة" في أغسطس 2013، تم حرق قرابة السبعين كنيسة على يد عناصر الإخوان، نالت محافظة المنيا وقتها نصيب الأسد من تلك الحصيلة، وتحمل الأقباط ونيافة الأنبا مكاريوس هذا الأمر دون أدنى ضيق، مساندة لثورة الثلاثين من يونيو. وحينما تم حرق "الخيمة" التي يصلي بها الأقباط بقرية "الإسماعيلية"، تحمل الأنبا مكاريوس بصمت واكتفي بالصلاة بمكان الحريق، كوسيلة احتجاج هادئة حتى لا يسبب حرجا للنظام الحالي.

 ورغم كل ما سبق من مواقف وطنية حكيمة احتملوا فيها الألم حبًا في الوطن، إلا أنه بمجرد رفض الأنبا مكاريوس للجلسات العرفية ورغبته في تفعيل القانون في هذا الحادث، أطلق النظام رجاله ليتهمونه بكل الاتهامات الجاهزة المعروفة مثل إشعال الفتنة، والاستقواء بالخارج.

المنيا تعيش حالة "الإمارة" منذ ثلاثة عقود، ويتواجد بها حركات إسلامية بقوة، والسيسي يعلم تمامًا أن الكتلة الأقوي للدولة المدنية، والمؤيد المخلص له ولحكمه هم الأقباط، والتي تتابع عن كثب تلك القضية، وينتظرون معرفة ماذا سيحدث بحق من فعلوا تلك الأفعال المنحطة. وإذا لم يُفعل القانون وإذا مر الأمر مرور الكرام، وإذا انتصرت إرادة المتطرفين لصالح دولة الفوضي بدلًا من دولة القانون، سيُحدث هذا شرخًا في العلاقة بين الأقباط والسيسي، وهذا ليس في صالح أي منهما.

الجريدة الرسمية