رئيس التحرير
عصام كامل

المصريون وسر الحزن لرحيل شاهندة مقلد !


لم يكن التعاطف مع الراحلة الكريمة شاهندة مقلد بسبب المشهد الشهير المؤثر لإخواني بلطجي يعتدي عليها عند الاتحادية وهي في عمر أمه فقط.. إنما لأسباب كثيرة منها مثلا في المشهد السابق ذهابها للتظاهر والاحتجاج على الإخوان وهي تزحف إلى الثمانين من عمرها وقد قدمت لوطنها عبر نصف قرن ما رأت وآمنت أنه صحيح..


كنا نشاهدها في اجتماعات اتحاد النساء التقدمي مع الدكتورة عواطف عبد الرحمن وفريدة النقاش وإنجي أفلاطون كيف يقفون بين شقي الرحى يتصدون في جانب وبصلابة لأفكار متطرفة تعتبر المرأة عدوها الأساسي وفي جانب آخر لنظام سياسي لا يدخل في معركة جادة مع المتطرفين وأفكارهم.. وبينما ذلك يحدث لم تتخلف شاهندة مقلد عن واجب قومي عربي واحد وكانت بطبيعة الحال الأقرب بين سيدات مصر إلى أزمات الفلاحين في سنوات الالتفاف على قوانين الإصلاح الزراعي والعودة إلى طرد الغلابة من أراض صغيرة يعيشون منها ومن خيرها فأكملت مسيرة طويلة من النضال إلى جوار صغار الفلاحين بدأتها بفقدانها زوجها وشريك حياتها في بدايات حياتهما الزوجية التي انقطعت فجأة لاستشهاد صلاح حسين برصاصات إقطاعيين كبار ظلوا حتى نهايات الستينيات ورغم قوة السلطة وحسمها للتغيير الاجتماعي لمصلحة الفقراء نقول ظلوا يدافعون عن مواقعهم يقاومون التغيير الثوري ولو بالقوة !

ورغم انتمائها لحزب يساري وبينما غالبية المصريين لهم تحفظاتهم على اليسار ومواقفة فإنها كانت استثناءً يحتاج للفحص والبحث.. ولا نجد تفسيرًا عاجلا له إلا الانحياز الحاسم للوطن.. فالانتماء لليسار لا يعني عند الراحلة الكريمة الهتاف ليل نهار وإلغاء العقل والمنطق واللجوء إلى هستيريا دائمة والاعتماد على وساوس تصل إلى حدود الهلاوس كما يفعل وفعل غيرها وإنما دعمت الجيش المصري وهتفت له وانحازت لقراراته ورغم دعوتها لتحرير المرأة من قيود وأفكار متطرفة ومتخلفة فإن الحدود الفاصلة بين التحرير والتحرر كانت جلية واضحة فرفضت ـ مثلا ـ دعوات التظاهر للتخلص من الحجاب باعتباره عملا لا ينبغي أن يكون الآن.. في تلك اللحظة.. على رأس جدول أعمال المجتمع المصري في وقت نحتاج فيه إلى التوحد ووحدة الكلمة والصف!

شاهندة مقلد عاشت ورحلت تدافع عن حق البسطاء في حياة كريمة واقتربت من الفقراء وتباسطت وانبسطت معهم وبينهم وعانت من محن شديدة انتصرت فيها كلها ولم يهزمها إلا المرض لكنها بين الانتصارات والهزيمة لم تتخل للحظة واحدة عن ابتسامة طيبة بريئة أحبها الناس واعتادوا عليها فقربتها إليهم فاقتربوا منها حتى حانت لحظة الرحيل المتوقع فانفجروا بالحزن يعلنون تضامنهم مسيرة ومرضا وبأثر رجعي مع سيدة من مصر آمنت بما قدمت فصدقت وصدقوها!
وداعا شاهندة مقلد وإنا لله وإنا إليه راجعون..
الجريدة الرسمية