رئيس التحرير
عصام كامل

نحن.. شعب التوكتوك!


يمكن القول، دون تجاوز إن تصرفاتنا كلها، على المستوى الاجتماعى، والسياسي، والثقافى، توك توك! لا أريد  الحط من قدر وآدمية ومواطنة شعب التوكتوك، بل أريد التنبيه، وبأعلى كلاكس، رغم أنفى، وخوفا من تداعيات ثقافة الفوضى والعشوائية، بأن التخبط والمباغتة وضياع الهدف منا، ترسم جميعا ملامح المواطن والأحزاب. يحدث ذلك، وللأسف وللأسى، في وقت تعرف فيه الدولة هدفها، وتمكنت بقوة تجنيد وطنية من حشد وصف وتأهيل مجموعة منتظمة، تؤدى عملها وفق خريطة أداء، وتحت يديها مخازن الإمكانيات. ويحدث ذلك بينما انصرف الناس إلى متابعة نتائج إنجازات الدولة، وجنى ثمار منها، وترقب ثمار أخرى، مع الاستسلام التام لمقاهى التوكتوك، وما تبثه من شائعات وتشكيك وتلكيك.


قد تبدو رسائل التحطيم والتيئيس هذه مرسلة، بلا مصدر ولا دراسة، لكنها في حقيقة الأمر، نابعة من ماكينة نازية تابعة لكتائب الإخوان و"النوشتاء" معا. تحالف الاثنان ليستثمرا سخط الناس من الغلاء الحارق الكاوى، ولتعلو موجات صد عشوائية الظاهر مخططة الباطن، ضد جهود الدولة لترميم النفس المصرية، وجبر خواطر الغلابة، رغم ما في ذلك من جَوْر، على الطبقة المتوسطة التي انزلقت تحت وطأة الضغوط إلى منطقة ريبة إنسانية واقتصادية، فلاهى فقيرة تستحق عطف الدولة وعدالتها الاجتماعية، ولا بقيت مستورة الحال كما كان شأنها وحالها قرونا طويلة، قدمت لمصر المهنيين في كل مجال.

مأساة الطبقة المتوسطة في مصر تستحق تفاصيل وبحثا أكثر ناهيك عن ضرورة التفات الدولة إلى تآكل مخزن توريد توريد الكفاءات لإرضاء أسراب التذمر الدائم !

اما ثقافة التوك توك تلك التي وقعنا جميعا في برثنها، وصارت أفعال الدولة، في مواجهتها هي في الحقيقة ردود أفعال؟.

لن نذهب بعيدا. اركب سيارتك، فخمة أو مضعضعة، أو حتى اركب الخنفساء المسماة شعبيا بالتوكتوك، أو امش على قدميك، في حى المعادى أو شار الهرم أو الطريق الزراعى، مصر الإسكندرية، والمنصورة إلى كفر شكر والعكس، أو في شارع البحر الأعظم أو في إمبابة، ستجد نفسك مقهورا مذهولا مسحولا. تنقض عليك الخنفساء من تحتك ومن فوقك، وتزيحك، أو ترتطم ببوز سيارتك أو بقدميك لتدهسك، وما تكاد تفعل حتى تنصرف بسرعة، وسط ضحكات أو سباب، لا يهم، وغالبا هو سباب، من عيل في الرابعة عشرة من عمره إن لم يقل أو يزد قليلا. من الأجناب تظهر لك التكاتك، ومن الخلف، ومن الأمام، وعكس الاتجاه وفوق الاتجاه، والمرور معلق لافتة: ظهور التوك توك هنا غرامته ألف وخمسمائة جنيه !

ليس التوصيف السابق لرصد فوضى مرورية، بل لرصد الدواعى الموضوعية، التي وراء العشوائية التي ضربت حياتنا جميعا. بذاءة ثقافة التوك توك، وكسر القانون، والبلطجة، والتطجين في الكلام والتشبيح، وإشهار السنجة لردع واحد مؤدب محتج، وتلويث الجو بالميكروفونات تذيع الأغانى الهابطة أو الخطب الدينية الغريبة لاعلاقة لها بصحيح الدين، كلها انتقلت من جوف التكتك إلى بيوتنا.

 وهكذا رأينا أسفل الألفاظ تخدش الحياء العام، ورأينا شوبير يهجم مجنونا على المستفز أحمد الطيب، ورأينا الأخير ينعته بالكذب ويحلف بالطلاق، ورأينا مستشار وزير الصحة يطمع في ملايين حرام ويدمر أسرته، ويقلع ملط بأمر الرقابة الإدارية، وتستخرج من جواربه شيكين، وعار فوق عار فوق عار.

لا يمكن أن ينصلح حال مجتمع تحت وطأة هذه الفوضى التي يعد سائقو الميكروباصات روادها الأوائل، مع شيء من العقل، ثم اتسعت رقعة البلطجة العامة بجريمة فتح الباب لخنفساء دمرت وتدمر النسيج الاجتماعى والأخلاقى للمصريين.

نقطة العلاج والبداية هي فتح مدارس أو معسكرات إعادة تأهيل آدمى، وأخلاقى لبلطجية ثقافة التكاتك. ولا رخصة إلا بعد اجتياز اختبارات الذوق والأدب والأخلاق، وتحليل الدم، لتبرئته من الترامادول !

ولو منعتموه يكون أفضل وأقصر الطرق للعلاج، لأن كلفته الاجتماعية أشد فداحة من آثار البطالة الناجمة عن سحبه ومنعه.
الجريدة الرسمية