الدكتور "مصطفى محمود"
فى مثل هذا اليوم، قبل 91 عامًا، أبصر الدكتور "مصطفى محمود"، النور، ليخوض مرحلة شاقة ومهمة، مع "العلم والإيمان"، وأشياء أخرى
"مصطفى محمود"، الذى غيبه الموت، قبل 3 أعوام، يعتبر واحدًا من ألمع المفكرين العرب، حيث أثرى المكتبة العربية، بتنويعات من الكتب القيمة، فضلا عن برنامجه التليفزيونى الأشهر "العلم والإيمان"،والذى يصنف كواحد من أهم البرامج العلمية فى الإعلام العربى، والذى سبق عصره بسنوات كثيرة.
والدكتور "مصطفى محمود"، أكبر من أن يحتوى سيرته مقال عابر، ولكنه كان ولايزال، بعد رحيله الدراماتيكى، قامة وقيمة علمية وأدبية من طراز نادر، حتى لو لم ينل ما يستحقه من تكريم واجب فى حياته، أو بعد رحيله، ولكن نتوقف سريعا، خلال هذه السطور، عند ما تردد عن إلحاده.
يقول الدكتور "مصطفى محمود"، فى هذا السياق:
"لقد رفضت عبادة الله، لأنى استغرقتُ فى عبادة نفسى، وأعجبتُ بومضة النور، التى بدأت تومض فى فكرى، مع انفتاح الوعى وبداية الصحوة من مهد الطفولة"، واصفًا رحلته من "الشك" إلى"الإيمان"، فى الكتاب الذى وضعه ، ليروى فيه قصة انتقاله من الشك فى وجود الله إلى الإيمان واليقين التام بوجوده.
وفى هذا الكتاب ينفى محمود عن نفسه تهمة الإلحاد، وهى التهمة التى طاردته بعنف، منذ بدأ مشروعه الفكرى بإصدار كتابه الأول "الله والإنسان" فى مارس ١٩٥٧، وهى الفترة الزمنية التى عانى فيها من مشكلات فكرية نابعة من إمكانية وجود تعارض بين العلم المادى، الذى كان يدرسه بكلية الطب، وبين وجود الله.
لم ينكر محمود وجود هذه الشكوك، ولكنه نفى أن تكون قد تبلورت لفكرة الإلحاد، حيث قال: "كانت لى شكوك إنسانية لكن كنت مع الله وأنا فى حالة شكى هذه."
وفى موضع ثان، يقول: "ناقشت فى كتابى كل الظواهر الموجودة فى الكون بمنطق فكرى علمى، والقليلون فهموا موقفى على وجهه الصحيح"، وختم قائلاً إنه قدم كتابه الأول منطلقاً من شىء أساسى وجوهرى، وهو أن "الله واحد".
عودة "محمود" إلى اليقين الكامل، لم تكن سريعة، بل استغرقت منه نحو 30 عامًا،حيث تطلب منه الأمرأن يقضى "آلاف الليالى من الخلوة والتأمل والحوار مع النفس وإعادة النظر ثم إعادة النظر فى إعادة النظر ثم تقليب الفكر على كل وجه، ليقطع فيه الطريق الشائكة من الله والإنسان إلى لغز الحياة والموت إلى ما كتب من كلمات على درب اليقين".
وبعد كل هذه السنين كان على "مصطفى محمود" أن يعترف بـ: "أن العلم الحق لم يكن أبداً مناقضاً للدين، بل إنه دال عليه مؤكد بمعناه وإنما نصف العلم هو الذى يوقع العقل فى الشبهة والشك، وخاصة إن كان ذلك العقل مزهواً بنفسه معتداً بعقلانيته، و إذا دارت المعركة فى عصر يتصور فيه العقل أنه كل شىء وإذا حاصرت الإنسان شواهد حضارة مادية تزأر فيها الطائرات وسفن الفضاء والأقمار الصناعية هاتفة كل لحظة.. أنا المادة.. أنا كل شىء".
الطريف أن "محمود" لم يكتسب عداوة الأزهريين فقط، بسبب ما أشيع عن إلحاده،حتى بعد الكتب التى أصدرها لاحقًا وأكد خلالها أنه غدا أكثر إيمانا بالله، ممن يتهمونه بالكفر، بل كان له نصيف وافر من عداوة اليساريين، بسبب كتابه ذائع الصيت "زيارة إلى الجنة والنار"، لأنه أورد "كارل ماركس"،ضمن أهل النار.
ورغم كل شىء، فإن "مصطفى محمود"، ظل أكبر من كل من ناصبوه العداء،أو رشقوه باتهامات مكذوبة، وسوف يظل واحدًا من أهم المفكرين والمثقفين العرب الحقيقيين، والذين لا ينتحلون صفات ليست صفاتهم..