من عرىّ سعاد ثابت
ما حدث في قرية الكرم مركز أبو قرقاص بالمنيا.. من تعرية امرأة مُسنة وسحلها بهمجية ووحشية من قبل مخلوقات تدعى أنها بهذا تحافظ على الشرف.. ليس مجرد حدث.. بل كارثة أخلاقية قبل أن تكون دينية.. فأى شرف وأي أخلاق بل أي دين أو تدين في تعرية امرأة.. ومُسنة..
إن ما حدث يطرح علينا سؤالًا أكبر مما حدث.. سؤالًا يُعرى هذا الواقع الذي نحاول التستر عليه.. والتعمية عما يحدث فيه من جرائم باسم الدين والأخلاق في حق الأخلاق والإنسانية..
من الذي عرى هذه المرأة المُسنة.. هل هم بعض المهووسين المتاجرين بالأخلاق والدين وهما منهما براء.. هذا هو الظاهر للعيان.. أو هؤلاء هم الأيدي التي نفذت الجريمة.. ولكن وللحقيقة هناك كثيرون مهدوا وخططوا ومولوا هذه الجريمة..
نعم هناك أيدٍ غير خفية لعبت وصنعت.. وحركت هؤلاء الدمى ليرتكبوا جريمتهم.. أو فضيحتهم.. هناك جناة لم يتم القبض عليهم بل ليس هناك نية للقبض عليهم.. رغم أنهم معرفون للكافة..
نعم هناك كثيرون تواطئوا مع الجناة وارتكبوا جريمتهم معهم.. ولكن لن تطالهم أيدي العدالة.. كل القوانين ستقف أمامهم عاجزة عن حسابهم ومحاسبتهم.. وللأسف سيظلون بلا عقاب بل سينفثون سمومهم في آخرين.. وآخرين.. وستتكرر المأساة مرة أخرى بل مرات.. لأننا لم نحاسبهم ولم نعاقبهم.. لأن القانون يحميهم.. أو على الأقل ليس في القانون مادة تُدين أفعالهم الإجرامية ليس في حق المختلفين معهم بل في حق المجتمع ككل..
من فسر المواطنة على هواه.. وجعل من الدين معيارًا للمواطنة.. شارك في هذه الجريمة بترسيخ فكرة مواطن ومواطن بشرطة أو مواطن على رأسه ريشة.. من جعل من "الجلسات العرفية" بديلًا لتطبيق القانون.. شارك في هذه الجريمة وأجرم في حق المجتمع.. لأن هذه المجالس عودة للقبلية وترسيخ للطائفية..
من أعطى الحق لمجلس العائلة أو بيت العائلة لحل المشكلات بين المسلمين والمسيحيين اعتدى على سيادة القانون.. من سمح بتهاون الشرطة في حل المشكلات بين المسلم والمسيحى واعتبارها مسائل بسيطة.. فتخاذلت الشرطة عن القيام بدورها في حفظ الأمن والسلم الاجتماعى.. من تعامى أو استهان بالنار المتأججة تحت الرماد بفعل الشحن الطائفى المتواصل منذ سنوات.. أنه دفن للرءوس تحت الرمال بحجة "بلاش نكبر المواضيع"..
من تغافل عن تطبيق الدستور وأننا أمام القانون سواء.. وأننا متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة.. ولا تمييز بيننا بسبب الدين.. أو العقيدة.. أو الجنس.. أو الأصل.. أو العرق.. أو اللون، أو اللغة.. أو الإعاقة.. أو المستوى الاجتماعى.. أو الانتماء السياسي أو الجغرافى.. أو لأى سبب آخر.. كما ينص الدستور..
من تساهل في تطبيق القانون في حالات التمييز والحض على الكراهية.. وأنها جريمة.. يُعَاقب عليها القانون.. وأن الدولة مُلزمة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كل أشكال التمييز..
إن ما حدث يدعونا للمطالبة بتطبيق القانون على الجميع وبتفعيل مادة المواطنة في الدستور فالمواطنة حق لكل مصرى وليست حكرًا على أحد بفعل الدين أو اللون أو المستوى الاجتماعى.. إن عدم تطبيق القانون والدستور تجاهل لسيادة الدولة.. لابد من تغيير نظرتنا للقانون وضرورة تفعيله على أرض الواقع واحترام الدستور ونصوصه..
ويدعونا لتغيير الخطاب الدينى بعيدًا عن الأزهر والكنيسة.. فلو كانا يستطيعان التغيير ما وصلنا إلى ما وصلنا إليه..
ويدعونا للمطالبة بتفعيل دور الأسرة والتعليم والإعلام في ترسيخ القيم الأخلاقية التي توارت بل اختفت من مجتمعنا بعدما كانت علامة من علاماته وجزءًا من الهوية المصرية التي تم مسخها بفعل تغييب هذه القيم بفعل فاعل معلوم للكافة وليس مجهولًا..
إن ما حدث في قرية الكرم ليس فتنة طائفية أو دينية بقدر ما هي فتنة أخلاقية تم إقحام الدين فيها لتأجيج نيران الغضب.. والتعامل معها بمنطق المجالس العرفية وتبويس اللحى وتهجير المسيحيين درء للخطر.. هو تعامى عن رؤية الحقيقة.. إن مجتمعنا يعانى من تدنى المستوى الأخلاقى الذي هو انعكاس لتدنى مستوى التربية والتعليم والإعلام.. ولتدنى مستوى معاملة الإنسان في وطنه..
نحن جميعًا شاركنا بشكل أو بآخر في تعرية وسحل امرأة قرية الكرم المُسنة.. سواء بتخاذلنا وسلبيتنا.. وبدفن رءوسنا في الرمال.. أو بسكوتنا على تدنى المستوى الأخلاقى.. أو بسكوتنا على اضطهاد المسيحيين "المستتر- الواضح" في تولى المناصب.. وبتعامينا عن مظاهر التفرقة الواضحة في المجتمع بفعل فاعل.. أو بقبولنا بإحلال المجالس العرفية محل القانون.. أو بسكوتنا على عدم إعمال مادة المواطنة سواء للمسلم أو المسيحى.. عشرات الأشكال أسهمنا بها ومن خلالها حتى وصلنا إلى فضيحة قرية "الكرم"..