وخرجت الأفاعي
في تصوري أن التنسيق والتفاهم الذي يجري بين أمريكا وروسيا هذه الأيام يتجاوز الأزمة السورية إلى المنطقة كلها، وأن هناك نوعًا من الترتيب لتوزيع مناطق النفوذ على نحو ما تم في سايكس-بيكو عام ١٩١٦، يجري على قدم وساق.. وطبقًا لهذا التصور، أتوقع أن تشتعل الحروب العرقية والطائفية والمذهبية في المرحلة القادمة بأكثر مما هي الآن، وما يحدث على مستوى المنطقة من حروب ومنازعات وصراعات دموية يؤكد ما ذهبنا إليه.. تذكرت الجيش المصري ودوره في الحفاظ على أمننا المصري والعربي.
قلت في نفسي نحن ننام في بيوتنا وعلى أسِّرتنا وجيش مصر ساهر على الحدود، فلو أنه نام أو غفل، هل نطمئن على أرضنا وعرضنا وأهلنا وأولادنا وحرماتنا ومقدساتنا؟ تذكرت سوريا والعراق وليبيا واليمن، فانطلق لساني يلهج بالدعاء له أن يحفظه الله تعالى، وعلى الفور قمت بتسجيل تغريدة على تويتر، دعوت الله تعالى فيها لجيش مصر، وأن يلهم قادته وجنده الرشد والسداد، فهم حماة مصر والعروبة والإسلام.. وما إن فعلت ذلك حتى خرجت الأفاعي التي كانت مختبئة من جحورها، وصبت جام غضبها عليّ وتناولتني بكل أنواع السخائم والشتائم.. لم ألق بالاً لذلك، بل على العكس حمدت الله تعالى أن مكنني من الرد عليها.
وكانت بالنسبة لي فرصة لا تعوض في طردها وإقصائها، لأن وجود مثل هذه النوعية يلوث، لا أقول صفحتي في شبكات التواصل الاجتماعي، لكن كل الصفحات.. ما أحزنني ليس الهجوم، فأنا معتاد على ذلك منذ زمن بعيد، لكن هذا الكم من الغل والحقد والكراهية، فضلاً عن سوء الأدب وتدني المستوى الأخلاقي الذي بلغ حدًا غريبًا وعجيبًا.
قلت في نفسى: في أي بيئة نبتت، وفى أي مناخ نمت وترعرعت، صحيح هم قلة، لكنها تعكر بحرًا.. هي طافية على سطح "التويتر"، كالزبد (أي الرغاوي، والورق، والقش) الذي يطفو على سطح السيل، لا فائدة فيها ولا نفع من ورائها، على عكس المعادن الثمينة (كالذهب مثلا)، فهذه ترسب في قيعان مجرى السيل.. تمامًا كما وصف المولى تعالى: "فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".
هذه الأفاعي تتميز بالجبن الشديد، فهى تتخفى وراء "النت" وليس لديها أي قدر من الشجاعة على المواجهة.. والحقيقة أنني ما وجدت في حياتي أسوأ من جاهل متعالم، وفقير متكبر.. والأسوأ على الإطلاق هؤلاء الذين يحملون في قلوبهم وعلى ألسنتهم تلالاً من الغل، والسوقية، والانحلال الخلقي.. ليس هناك أي تأثير لهؤلاء، لكن -للأسف- هناك من الإعلاميين، خاصة، من يستمع إليهم، شباب الإخوان الذين شاركوا في هذه الهجمة ينسون أو يتناسون ما حدث بالأمس القريب، فعندما أثرت معهم لقاء مرسي والكتاتني بالراحل عمر سليمان، بالمخالفة لما تم الاتفاق عليه مع رفقاء الثورة في الميدان، قالوا إن اللقاء كان عامًّا.. هؤلاء لا يعلمون شيئًا، أو يعلمون ويتخابثون.. وللحقيقة والتاريخ أقول:
اتصل بي بديع أيام الثورة ليستطلع رأيي في إرسال محمد مرسي والكتاتني إلى لقاء عمر سليمان الشهير، وكان ردي: لا تفعلوا ذلك، فهناك اتفاق مع رفاق الثورة في الميدان ألا تكون هناك مفاوضات إلا بعد الرحيل، وفى رأيي هذا خيانة.. ثم إن الدعوة أساسًا لشق الصف، وهو ما لا يجب.. قال بديع: نحن سنذهب لعرض المطالب.. قلت: المطالب معروفة وهي معلقة في لوحات على الأعمدة في الميدان.. وللأسف لم يستجب، وذهب مرسي والكتاتني للاجتماع.. كان هناك لقاء عام، جمع رؤساء أحزاب وشخصيات عامة.
المهم أنه تم لقاء جانبي بين عمر سليمان ومرسي والكتاتني، طلب الأول منهما أن يسحب الإخوان الشباب من الميدان.. قالا: في مقابل ماذا؟ قال: ماذا تريدان؟ قالا: إعطاء مشروعية للجماعة، والإفراج عن خيرت الشاطر وحسن مالك.. والذي حدث أن الشباب رفض الانسحاب من الميدان، ومن ثم فشلت الصفقة.. وفي اجتماع مجلس شورى الجماعة بتاريخ ١٠/ ١ / ٢٠١١، أي قبل تنحي مبارك بيوم واحد، جلس على منصة الاجتماع بديع ومرسي.
حكى الأخير ما حدث في اللقاء العام المجمع مع عمر سليمان، فقام عبد المنعم أبو الفتوح وقال: إحنا عايزين نعرف ما حدث في اللقاء الخاص، وثار عاكف، ومن بعده آخرون.. التفت مرسي إلى بديع وقال له: إحنا مش كنا متفقين ألا نخبر أحدًا بذلك.. وكانت فضيحة، حاول بديع تهدئتهم بقوله: اذكروا الله.. اذكروا الله... لكن أعضاء المجلس كانوا في حال آخر.