تغيير المنظومة الإعلامية.. المشكلة في الضيوف وابن عَيُّوشَة!
هَبَّت بواكير رياح تغيير المنظومة الإعلامية وباتت ملموسة.. ومن الواضح أن التغيير سوف يطول عددًا كبيرًا من الوجوه الإعلامية التي اعتدناها منذ سنوات، وسوف يشمل الرسالة الإعلامية بكل تأكيد.
مطلبي الوحيد دون لف وهَرْي.. لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أهمية التدقيق فيمن يجري اختياره أو استضافته عبر الميديا.. وكفى ما أصابنا من تشوه فكري ووجداني، وانفراط عقد الثقة بين المواطن والنظام بسبب الخبراء الاستراتيجيين.. واسمحوا لي بانتقاء نماذج منهم في عجالة، حتى لا تتهموني بالتقعير والهذيان بعبارات إنشائية.
دعك من الخبير الاستراتيجي الذي حل معضلة سد النهضة بقوله لا داعي للقلق، سد النهضة "ها يقع لوحده".. وخذ عندك واحد منهم كنت أسمع أنه خبير استراتيجي وأنا في الثانوية.. عندما سألته الإعلامية رولا خرسا عن رأيه في فوز اللجنة الرباعية للحوار الوطني في تونس بجائزة نوبل للسلام؟ قال أنا ما عرفش في الموضوع ده، إنتِ عارفة تخصصي، بس إذا كانت الست دي قدمت خدمات إنسانية لبلدها تبقى تستاهل!
وعندما أرادت خرسا إنقاذ الموقف وإنقاذه هو نفسه، قاطعته قائلة: لا دي مش ست يا فندم، دول أربعة اتحادات أسهمت في ثورة الياسمين في تونس.. فبادر الرجل -الله يكرمه- دون أن يستوعب كلام خرسا، ودخل في مؤامرة أمريكا علينا.. واللهم لا حول ولا قوة إلا بك.
في تقديري لا فرق بين هذين الخبيرين وبين "شحتة ابن عيوشة" بائع الأنابيب السَّرِّيح.. ذات مساء جمعته جلسة مع بعض النشطاء -والله حصل- وكان الحديث عن قضية بيع الغاز لإسرائيل بأسعار رخيصة.. وإذا بابن عيوشة يجبرهم على الصمت بلهجة آمرة، ويطلب الكف عن الكلام في حضرته وهو الخبير بأسواق الغاز، وقال: إذا حضر الماء بطل التَّنَمُّن "التيَمُّم"! أي لا يفتى في موضوع الغاز وابن عيوشة في القعدة.. ساعتها أقسم بشرف أمه عيوشة أن إسرائيل كانت تشتري الأنبوبة باتنين جنيه غير أجرة "المَشَال" وتبيعهالنا مرة تانية بخمسة جنيهات والحكومة تسلمها للسَرِّيح بستة وساعات بسبعة.
المصيبة الأكبر أن تنتقل عدوى التهييس والتهجيص من الخبراء الاستراتيجيين إلى علماء أفذاذ يشار لهم بالبنان.. أتحدث عن العالم المصري الشهير الدكتور فاروق الباز.. ظهر الرجل في برنامج توك شو، محذرًا من سقوط النظام.. عادي جدًا وكلام لذيذ وكلام معقول ما اقدرش أقول حاجة عنه.. غير أنه في معرض تحذيره قال وهو بكامل قواه العقلية: "لو سقط النظام ستسقط الدولة، وهنروح في ستين داهية وهيحتلها السودانيون والهكسوس"!
بأمانة شديدة لم أصدق أذني، إذ لا يستقيم التصريح عن احتلال السودانيين و"الهكسوس" لمصر مع مستوى مكانة ودماغ العالم الكبير د. فاروق الباز، وكما كَذَّبْتُ أذني، فقد طال الشكُّ عيني.. وقلت من المؤكد أن صاحب هذا التصريح لا يمكن أن يكون الدكتور الباز، وإنما لرجل آخر لم يكن في تمام وعيه، لرجل فقد عقله!
على صعيد تغيير الرسالة الإعلامية ينبغي التخلص أيضًا من الإفراط في الحديث عن نظرية المؤامرة، التي صارت التبرير الجاهز لأي حدث مهما بلغت تفاهته، ومن ثم تضيع حقائق نكون في أمَسِّ الحاجة للإمساك بها وطرحها على طاولة النقاش.
فوجئت ذات ليلة بمقدم برنامج توك شو ظهر أثناء الكشف عن وثائق بنما، ولأنها طالت بعض المصريين ومن بينهم علاء مبارك، ظهر ذلك الإعلامي الشاب ليهاجم بنما.. قال إن المسألة كيدية -برضه نظرية المؤامرة- لأن بنما دي قناة منافسة لقناة السويس!
طبعًا واضح أنه لا فاهم حاجة في أي حاجة ولا إمتى ولا فين ولا ليه.. قالوا له هاجم بنما، وهو لا يعرف أنها دولة.
أشباه الزبون المذكور أكثر من الهم على القلب..لا أستبعد والله أن يخرج علينا أحدهم ليعلن عن مؤامرة خطيرة على صعيد حوادث الطرق قائلاً إن حوادث الطرق في مصر هي الأعلى بالفعل على مستوى العالم، وقد ثبت أن السبب فني هندسي، وهو وجود ميول في الطرق.. ميول إخوانية!