الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها
العلاقة بين الرجل والمرأة لها ضوابط مجتمعية وأخلاقية والأهم ضوابط دينية، تحكم طبيعة العلاقة ما بين المسموح به وما توصم بالمحرمة، ومجتمعنا الشرقي له عاداته في التعامل مع العلاقات التي تخرج عن السياق العام والعرف الملزم لأفراده.
المجتمع المصري متنوع في أفكاره، متشدد في أعرافه، محير في طرق تعامله مع أي قضية بعينها، فنجد المصريين عبارة عن مجموعة تكتلات تعبر عن عادات وأعراف وطبيعة تفكير تختلف بين سواحلية وقاهريين وصعايدة مثلا، وهذه التصنيفات المجتمعية تختلف في تعاملها مع كل قضية يواجهها المجتمع، فشدة الصعايدة في الالتزام بالأعراف والعادات تختلف تماما عن القاهريين المتفتحين بأسبقيتهم للتحضر، مما يشكل عقولهم بطريقة مختلفة وتجعلهم يتقبلون مالا يتقبله الآخرون من أبناء وطنهم.
ولكن هناك قضايا اجتمع على رفضها الشعب المصري من جنوبه إلى شماله، بما يلزمه بها الدين "بالرغم من اختلاف الديانة ما بين مسلم أو مسيحي"، ويضبط حدودها الأخلاق، وتعاقب بالأعراف قبل القانون من قبل المصريين.
العلاقة بين امرأة متزوجة ورجل هي خيانة لا يقبلها مجتمعنا، "وإن كان يتقبل بأريحية خيانة الرجل لزوجته!"، ويبيح العرف قتل الزوجة الخائنة، وقد يقف القانون في صفه، فلا يعدم الزوج القاتل لزوجته الخائنة، في قضايا تسمى"جرائم الشرف"، فقوة العرف تطغى على القانون وتبيح المحظور دينيا "من قتل يقتل".
ولأنه مجتمع مسلم –مسيحي وارد حدوث علاقات مختلفة التسميات بين رجل مسيحي وامرأة مسلمة والعكس أيضا، كأي علاقات محرمة، وارد حدوث علاقة بين سيدة متزوجة ورجل غريب والعكس يحدث أيضا، ويقف العرف بين أفراد المجتمع المصري فاصلا بقوته، ضاربا بالقانون عرض الحائط، لاغيا لوجود مجتمع متحضر، ناشرا للفوضى في بعض الأحيان، داعيا دائما لأخذ الحق باليد لا بقوة القانون ودولته !
حدثت منذ أيام واقعة أثارت غضب المصريين كافة، لا بسبب أصل العلاقة "المحرمة"!، ولكن بسبب ما ترتب على هذه العلاقة من تبعات مخزية!
في صعيد مصر وتحديدا في المنيا، امرأة مسلمة متزوجة أقامت علاقة مع شاب مسيحي، حين اكتشف المجتمع الصعيدي العلاقة، لم ينتفض فيه إلا "العرف" في التعامل مع القضية !
فلا دين احتكم له، ولا قانون طبق به، فقد أحرق أهالي القرية الصعيدية منازل المسيحيين كعقاب لمسيحيي القرية على تلك العلاقة المحرمة، ثم جردوا والدة الشاب المتورط في العلاقة من ملابسها ونكلوا بها في شوارع القرية كعقاب لابنها على فعلته!
في غياب تام للدين المحرم للتنكيل والتعدي على الآخرين لأخذ الحق بدون قانون، أو معاقبة الخائنة!
وكعادة المجتمع المصري ثار الرأي العام مسلمون ومسيحيون، رافضين الهمجية المسماة بالعرف، وتطبيق قانون الفرد لا الدولة، ومتسائلين كالعادة: أين دور الأزهر والكاتدرائية في قضية أصبحت متكررة، وباتت عواقبها تهدد الوطن بالفتنة الطائفية!
لا ننكر أنه بعد انتشار الموبايلات ذات الكاميرات،أصبح كل شيء في تناول التصوير والنشر على "اليوتيوب" كسبق من ناشر الفيديو، ولتوثيق الأحداث خاصة التي تنكرها الحكومة والأمن المصري، في قضيتنا لا يوجد فيديو يوثق القصة الأصلية التي حرق من أجلها المنازل المصورة !
نتذكر ليلة تنصيب الرئيس السيسي رئيسا للبلاد، تعرضت سيدة في ميدان التحرير "بين مواطنين محتفلين بفوز الرئيس في الانتخابات"، لتمزيق ملابسها وتعرضها للتحرش وتم تصوير الواقعة كاملة بكاميرات الموبايلات، ونتذكر واقعة من تسمى "ست البنات" التي تعرضت للسحل وتجريد الملابس في ميدان التحرير، والكثير من الفيديوهات الناقلة لأكبر القضايا وأصغرها في مصر نتساءل!
أين فيديو السيدة المنياوية !
حين صرح محافظ المنيا أن الموضوع بسيط، وأنها مشكلات جيرة أدت لمشاجرة وتطورت لحرق المنازل، وتم القبض على عدد من الجانبين، وأن موضوع العلاقة المحرمة مجرد شائعة، مما جعل الشاب يترك القرية بعد تهديده هو ووالداه اللذان حررا محضرا بالتهديد، وجار التحقيق وإحكام القبضة الأمنية على القرية الغاضبة بسبب شائعة، ولأن الغضب يتملك الجميع "مسلم ومسيحي" لم يصدق أحد المحافظ بل تم مهاجمته وطلب عزله من منصبه !
يطالب رجال الأمن ورجال الدين، بإعطاء كل واقعة أو حادثة حجمها الطبيعي؛ لعدم إثارة الرأي العام لأغراض غير معلنة، مضمونها الأوحد سقوط مصر بيد أبنائها الغاضبين بلا دليل.
يطالب الجميع بتناول واقعي للعلاقة بين المسلم والمسيحي المصري، يطالب الرأي العام بدور فعال للأزهر والكاتدرائية لنبذ الكرة غير المعلن بين الأديان، للعمل على نهج ملموس من المواطنة بين أبناء الشعب المصري الذي يتعرض لفتن طائفية منذ عقود ويجتازها بفضل الله أولا، وبفضل مساحة التسامح الراسخة بين أفراد الشعب لا بين دياناتهم ثانيا !
كانت في الماضي فتن نابعة عن جهل تعليمي وتعصب ديني، يحتويه المجتمع بما لديه من تماسك مجتمعي، وبعد ثورة يناير ساد الانقسام بين جميع أبناء الشعب المصري، بجميع طوائفه الاجتماعية والثقافية والسياسية والدينية، انقسام قد يستغله المغرض بمصر للإطاحة بها، وقد تسقط الدولة في غيابات جب عميق يسمى الحرب الطائفية.