مفاهيم إسلامية.. الزهد
كثير من المفاهيم، والمصطلحات والمعاني والصفات الجميلة، التي حض عليها الإسلام، فهمها المسلمون خطأ.. من بينها "الزهد".. فكثيرون سمعوا عن الرسول، صلى الله عليه وآله، أنه كان مثالا للزهد في الدنيا ونموذجا عاليا للترفع عن الماديات.. فقصروا حياتهم على الصلاة والصيام، واعتزلوا الدنيا، والعمل، والزواج، والاختلاط بالناس تماما.. وعاشوا في شبه عزلة تامة.
كان رد المعلم الأول، عليه صلوات ربنا وتسليماته، رائعا، وبديعا، ونبراسا علينا الاهتداء به.. قال: "أنا خير منكم، لكني أصوم وأفطر، وأصلي..".. و"إني لست كهيئتكم؛ أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني".
وقال الإمام أحمد بن حنبل: "الزهد على ثلاثة أوجه الأول: ترك الحرام وهو زهد العوام والثاني: ترك الفضول من الحلال وهو زهد الخواص والثالث: ترك ما يشغل عن الله وهو زهد العارفين".
وقال الإمام الحسن البصري، رضي الله عنه: "ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت بها أرغب منك فيها لو لم تصبك".
وقال الإمام أبوالحسن الشاذلي، رضي الله عنه، لرجل انتقد ما رآه عليه من ثياب حسنة، وأبهة: "ثيابي تقول هذا غني فاسألوه، وثيابك تقول هذا فقير فأعطوه".. وقال ينصح أحد تلاميذه: "يابني برد الماء، فإنك إن شربته باردا، وقلت الحمد لله، رددها كل عضو من أعضاء جسمك، وإن لم تفعل وشربته، وقلت الحمد لله، قلتها بكظاظة".
وقال الجنيد: سمعت سري السقطي يقول: إن الله عز وجل سلب الدنيا عن أوليائه وحماها عن أصفيائه وأخرجها من قلوب أهل وداده لأنه لم يرضها لهم وقال: الزهد في قوله تعالى: لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور، فالزاهد لا يفرح من الدنيا بموجود ولا يأسف منها على مفقود.
وقال ابن الجلاء: الزهد هو النظر إلى الدنيا بعين الزوال فتصغر في عينك فيسهل عليك الإعراض عنها.
وقال أيضًا: الزهد سلو القلب عن الأسباب ونفض الأيدي من الأملاك، وقيل: هو عزوف القلب عن الدنيا بلا تكلف.
وقال الجنيد: الزهد خلو القلب عما خلت منه اليد، وقال الإمام أحمد: الزهد في الدنيا قصر الأمل، وعنه رواية أخرى: إنه عدم فرحه بإقبالها ولا حزنه على إدبارها فإنه سئل عن الرجل يكون معه ألف دينار هل يكون زاهدا، فقال: نعم على شريطة ألا يفرح إذا زادت ولا يحزن إذا نقصت.
وقال عبد الله بن المبارك: هو الثقة بالله مع حب الفقر.
وقال عبدالواحد بن زيد الزهد: الزهد في الدينار والدرهم وقال أبو سليمان الداراني: ترك ما يشغل عن الله وهو قول الشبلي.
وسأل رويم الجنيد عن الزهد فقال: استصغار الدنيا ومحو آثارها من القلب، وقال: هو خلو اليد عن الملك والقلب عن التتبع، وقال يحيى بن معاذ: لا يبلغ أحد حقيقة الزهد حتى يكون فيه ثلاث خصال: عمل بلا علاقة، وقول بلا طمع، وعز بلا رياسة.
وقيل: الزهد الإيثار عند الاستغاء والفتوة الإيثار عند الحاجة، قال الله تعالى: "وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ".
وقال رجل ليحيى بن معاذ: متى أدخل حانوت التوكل وألبس رداء الزاهدين وأقعد معهم فقال: إذا صرت من رياضتك لنفسك إلى حد لو قطع الله الرزق عنك ثلاثة أيام لم تضعف نفسك فأما ما لم تبلغ إلى هذه الدرجة فجلوسك على بساط الزاهدين جهل ثم لا آمن عليك أن تفتضح وقد قال الإمام أحمد بن حنبل: الزهد على ثلاثة أوجه الأول: ترك الحرام وهو زهد العوام والثاني: ترك الفضول من الحلال وهو زهد الخواص والثالث: ترك ما يشغل عن الله وهو زهد العارفين..
وكان على بن أبي طالب وعبدالرحمن بن عوف، والزبير وعثمان رضي الله عنهم من الزهاد مع ما كان لهم من الأموال، وكان الحسن بن على رضي الله عنه من الزهاد مع أنه كان من أكثر الأمة محبة للنساء ونكاحا لهن وأغناهم، وكان عبدالله بن المبارك من الأئمة الزهاد مع مال كثير، وكذلك الليث بن سعد من أئمة الزهاد وكان له رأس مال يقول: لولا هو لتمندل بنا هؤلاء.
ليتنا نتعلم الزهد الحقيقي، فلا شك أنه سيفيد الفرد والمجتمع والأمة بأسرها.. فساعتها لن نتصارع على مكاسب ومغانم دنيوية، نحاول أن ننالها بكل السبل، بل نرضى بما قسم الله لنا، مع العمل والكد، والاجتهاد.