السلطة والجامعة (7)
بدأت مرحلة جديدة من العلاقة بين الجامعة والسلطة بعد أن كانت علاقة عداء وخوف السلطة -سلطة الاحتلال-ممثلة في "لورد كرومر" الذي كان يؤمن بضرورة فصل مصر عن عالمها العربى والإسلامى، بل الأفريقى ويحاول تغيير أصول الثقافة المصرية ويرى في الجامعة خطرًا داهمًا على خططه حتى وافق بشروط صارمة وأجل غير مسمى ولخاطر بعض المتعاونين مع الاحتلال..
فبموافقة الأمير أحمد فؤاد على رئاسة الجامعة واقتراحه تشكيل لجنة تنفيذية برئاسته وعضوية كل من حسين رشدى باشا وقاسم بك أمين ويعقوب باشا أرتين ومحمد باشا علوى وحفنى بك ناصف ولوزنيا بك، والتي اجتمعت لأول مرة في قصر الأمير فؤاد في الثالثة من عصر يوم 12 مارس 1908، ووضعت خطة تنفيذية لبدء نشاط الجامعة ووضع هدفين أساسيين للبدء فيهما وهما التدريس والإرساليات (البعثات) واستطاع الأمير بعلاقاته الحصول على منحة سنوية من الأوقاف بمبلغ 5 آلاف جنيه سنويًا كان لها بالغ الأثر في بدء النشاط وعقدت الجمعية العمومية جلسة يوم 20 مايو 1908 برئاسة ولى العهد الملكى الأمير أحمد فؤاد، وتم توقيع عقد شركة ابتدائى للجامعة المصرية..
ويعتبر هذا اليوم هو الميلاد القانونى للجامعة، وجاء في العقد أن الغرض من الجامعة هو "ترقية مدارك وأخلاق المصريين على اختلاف أديانهم وذلك بنشر العلوم والآداب" موارد الجامعة هي: قيمة الاكتتابات حتى ذلك اليوم ( 9 آلاف جنيه إنجليزى) والإعانة السنوية للأوقاف 5 آلاف جنيه) والاشتراكات السنوية والهدايا والهبات وأن مجلس الإدارة مكون من: الأمير أحمد فؤاد رئيسا - حسين باشا رشدى وإبراهيم باشا نجيب وكيلين- أحمد بك زكى سكرتيرا -حسن بك سعيد أمينا للصندوق- وعضوية أرتين باشا والدكتور علوى باشا وعبد الخالق باشا ثروت ومرقس أفندى حنا ومسيو ماسبرو ويوسف بك صديق وعلى بك أبو الفتوح وعلى بك بهجت ومسيو لوزينا وعلي بك ذو الفقار.
وأرسل الأمير فؤاد خطابا إلى ناظر الداخلية يبلغه بإنشاء الجامعة ويطلب اعتبارها منفعة عامة، فوافقت الوزارة على ذلك.
واستأجر مجلس الجامعة الدور الأول من سراى جناكليز لمدة سنة بمبلغ 350 جنيهًا، وتم تحديد نظام الدراسة بتقسيم الطلبة إلى قسمين: الطلبة الراغبين في الحصول على درجة علمية بعد إنهاء دراستهم في الأزهر أو المدارس العالية وسموا بالطلبة المنتسبين للحصول على "شهادة الدروس العالية"، لكنها لم تكن شهادة مؤهلة للعمل، حيث لم تكن الحكومة قد اعترفت بها.. وحددت رسوم الدراسة للطالب المنتسب بمائة وعشرين قرشًا قى السنة وكان يستوجب للحصول على الشهادة حضور دروس ثلاثة من الأساتذة على الأقل والمشاركة في التمارين أو تقديم بحث علمى والنوع الثانى من الطلبة هم المستمعون وهم الذين يحضرون المحاضرات بغرض المعرفة والتثقيف دون السعى للشهادة، وحدد رسم الاستماع للمحاضرة بخمسة قروش وللسنة كاملة بمائتين وأربعين قرشًا وحدد رسم الاشتراك بمكتبة الجامعة بعشرين قرشًا سنويًا.
وجاء اليوم الموعود الحادى والعشرون من ديسمبر 1908 وهو اليوم الذي وافق فيه الخديو عباس حلمى الثانى على افتتاح الجامعة رسميًا فيه وتم اختيار قاعة مجلس شورى القوانين لإقامة الحفل وتمت دعوة رجال الدولة والوجهاء والأعيان والمتبرعين وشيخ الأزهر ورجالة وسفراء وقناصل الدول وعمداء الجاليات الأجنبية... وألقى فيه الخديو خطبة الافتتاح ثم رئيس الجامعة الأمير أحمد فؤاد ولى العهد وعبد الخالق باشا ثروت وكان مديرًا لمديرية أسيوط (تولى رئاسة الوزراء مرتين في عهد الملك فؤاد الأول) وأحمد زكى وآخرين...
ومن الغريب أن سعد زغلول ناظر المعارف وأول رئيس فعلى لمجلس الأمناء لم يلق كلمة في افتتاح الجامعة رغم أنه هو الذي كتب مسودة خطاب الخديو، وربما كان هذا هو سبب النقد الشديد الذي وجهه سعد في مذكراته للمتحدثين، حيث كتب "أن أحسنها تلاوة وإلقاء ومعانٍ وعبارة خطبة عبد الخالق ثروت وأسوأها خطبة رئيس الجامعة والخديو وأثقلها على السمع..