أعداء حقوق الإنسان!
كلما انتشرت ثقافة حقوق الإنسان في مصر، وتزايدت فاعلية المدافعين عنها، وقدرتهم في التأثير على الحكومة، وإجبارها على احترام تلك الحقوق، جاء رد الفعل المعادي لهذا التوجه، والساعي لتشويه كل من يدافع عنها.. بل وصل الأمر إلى التشكيك في نواياهم، واتهامهم بمختلف الاتهامات بدءا من التمويل من الخارج.. وليس انتهاء بالخيانة.
اشتدت حدة الخلاف بين الطرفين في الأيام الأخيرة، بمناسبة إعداد المجلس القومي لحقوق الإنسان لتقريره السنوي متلازما مع صدور البيان الرائع للجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، وتضمن كلاهما توصيفا للحالة الراهنة لتلك الحقوق، وأنها على غير ما يرام، وقدما رؤية مستقبلية لعلاج الظواهر السلبية التي تم رصدها، تلك الرؤي الذي يجب أن تلتزم بتنفيذها الحكومة، باعتبارها الشرط الأساسي لاستمرارها، وليس منحة تمن على الشعب المصري بتقديمها.
وإذا لم يكن دور المجلس واللجنة الدفاع عن حقوق المواطنين في التظاهر السلمي، الذي أقرته جميع الوثائق الحقوقية الدولية، وباقي الظواهر التي تعوق حقوق الإنسان. مثل مكافحة الفساد ومنع التمييز وتوفير الرعاية الصحية والتعليمية والسكن.. فماذا يكون دورها على وجه التحديد؟ وإذا لم تطالب بتعديل نصوص قانون التظاهر للتوافق مع الدستور، وبسرعة تعديل تجريم التعذيب، وترميم الكنائس وإشراف النيابة العامة على أماكن الاحتجاز..فلماذا نشكل تلك المجالس؟
للأسف يتبني البعض آراء مخالفة لما استقر عليه العالم المتقدم حول مهام تلك المجالس واللجان، ويري المخالفون أن قضايا حقوق الإنسان تعتبر رفاهية بالنسبة للمجتمعات التي تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية..وتواجه الإرهاب.. وتتصدي للمؤامرات الداخلية والخارجية، وإذا كان لابد من تشكيل تلك الهيئات ترضية للخارج، فإن دورها يقتصر على التصدي لمزاعم المنظمات العالمية التي تدعي أن مصر لا تحترم تلك الحقوق، وإذا كانت هناك تجاوزات للشرطة فإنها تأتي رد فعل على عنف الجماعات الإرهابية، ولولا يقظة الشرطة لما تحقق الأمن الذي تنعم به مصر، بينما يدافع المجلس القومي لحقوق الإنسان ولجنة مجلس النواب، عن حقوق الشباب في التظاهر.. رغم معارضتهم لتوجهات الدولة، ما يساعد على تشويه الإدارة المصرية على مستوى العالم.
وقد أشار النائب إلهامي عجيبة إلى الأخطاء التي وقع فيها المجلس بقوله: "إن المجلس لم يقم بدوره في تحسين صورة مصر، المتهمة أمام الرأي العام العالمي بإهدار حقوق الإنسان، وهي الصورة التي يسعي الإخوان واليساريون لإشاعتها، لذلك سيتم تغيير المجلس بعد ثلاثة شهور، والمجلس القادم سيقوم بتحسين صورة مصر".
ولا يدري السيد النائب أن ما يعتبره شططا من جانب المجلس لم يقنع العالم بأنه يعبر حقيقة عن تدني حقوق الإنسان في مصر، خاصة أن الدولة هي التي اختارته.. ولم تحقق له الاستقلالية الكاملة..فما بالك لو أن المجلس نفذ رؤية النائب وقام بتكذيب كل الاتهامات الصادرة عن مراكز حقوقية عالمية، تدين التجاوزات.. بالصوت.. والصورة.
وربما لا يدري النائب أن الشعب استقبل البيان الرائع الذي صدر عن لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، بترحاب شديد.. ما أدي إلى تحسين صورة مجلس النواب، خاصة بعد غياب ١١٨ عضوا عن اجتماع المجلس الذي عرضت الحكومة خلاله برنامجها، والعديد من الممارسات السلبية للنواب داخل قاعة المجلس، جاءت مناقشات اللجنة التي انطلقت من الحرص الشديد على شباب الوطن، وتشجيعه على الانخراط في السياسة، لتعيد الثقة في النواب الشجعان..
والأمر المؤكد أن تلك المواقف الشجاعة والحريصة على النظام واحترام القانون، لن ترضي بعض الذين يتبنون أساليب المعالجات الأمنية التي أوقعت البلاد في مآزق عديدة، وقد بدأت بالفعل حملات أعداء حقوق الإنسان من الإعلاميين، ضد أنصار تلك الحقوق، والسعي للوقيعة بين مؤسسات الدولة والمنظمات الحقوقية التي تسعي لحماية كرامة المصريين.. وحريتهم.