الفانوس اليدوى.. «أهو جه يا ولاد» «تقرير مصور»
الفانوس اليدوي.. عادة مصرية أصيلة تعود إلى عام 358 هجرية، 968 ميلادية، حين انتهى الوزير الفاطمي جوهر الصقلي، من تشييد مدينة القاهرة عاصمة الخلافة الفاطمية الجديدة في مصر، ودعا الخليفة المعز لدين الله الفاطمي للحضور إلى مدينته الجديدة.
في ليلة الـ5 من رمضان من نفس العام وصل موكب الخليفة الفاطمي إلى القاهرة، وخرج أهل مصر في استقباله وهم يحملون الفوانيس المضاءة بالشموع تعبيرًا عن فرحتهم بقدومه وأملًا في الظفر بالمزيد من العطايا، ومنذ ذلك الحين أصبح الفانوس أحد أهم العادات التي ابتكرها المصريون وصدروها إلى باقي الدول العربية والإسلامية، لتكون رمزًا مرتبطًا بفرحة قدوم الشهر الفضيل.
زاد من ارتباط المصريين بهذه العادة خروج الخلفاء على مر العصور إلى الشوارع لاستطلاع هلال شهر رمضان، وكان الأطفال يخرجون أمامهم وهم يحملون الفوانيس ليضيئوا لهم الطريق.
صناعة الفانوس اليدوي كانت منذ سنوات قريبة واحدة من أهم الصناعات التي يتنافس الحرفيون على تعلمها، والعمل على تطويرها من حيث شكل الفانوس وحجمه وإضاءته بدءًا من الشمعة ووصولًا إلى وسائل الإضاءة الحديثة، وكان دافعهم وراء ذلك كون مصر في تلك السنوات المنصرمة، الدولة المتفردة بهذه الصناعة، وبالتالي كان الفانوس المصري يصدر إلى كل أنحاء العالم.
يطلق على صانعي الفانوس اليدوي «السمكرية»، ويتواجد أشهرهم في مناطق باب الشعرية والسيدة زينب وتحت الربع والغورية، ويعتمد الحرفيون في استحداث الأشكال الجديدة من الفوانيس على ما تهديه إليهم قريحتهم من إبداعات، حيث يقومون في البداية بعمل ما يشبه التجربة لصناعة شكل جديد من الفوانيس، وإذا لاقى هذا الشكل استحسان العاملين بالورشة يتم اعتماده كموضة لفانوس هذا العام.
يعتمد الفانوس اليدوي في صناعته على «ألواح الصاج»، المصنعة وفقًا لمواصفات معينة ثم تطلى وتنقش داخل ورش متخصصة في تجهيز الخامات الأولية لصنع الفانوس اليدوي، وتعد هذه الورش المصدر الوحيد الذي يعتمد عليه الحرفيون في شراء ما يحتاجونه من خامات يقومون بتجميعها داخل ورشهم، ووضع اللمسات النهائية التي تجعل من الفانوس اليدوي أو «الصاج» كما يطلق عليه صناعة يعجز عن إتقانها غير المصريين.
تمر صناعة الفانوس اليدوي بعدة مراحل أولها: تقطيع الصفيح وفقًا لأحجام ومقاسات معينة..
لتبدأ بعد ذلك مرحلة «تخريم» ألواح الصفيح المقطعة وتشكيلها وفقًا لرغبة الحرفي..
بعد انتهاء مرحلة «التخريم»، تدخل صناعة الفانوس اليدوي، في المرحلة الثالثة وهى مرحلة اللحام.
بانتهاء المرحلة الثالثة من مراحل تصنيع الفانوس اليدوي، يكون الحرفي قد فرغ من العمل المتعلق بتهذيب «ألواح الصاج»، وجعلها صالحة وفقًا لاحتياجاته، ليبدأ في مرحلة جديدة وهى تقطيع ألواح الزجاج الملون، وتركيبها حسب شكل الفانوس المصنع.
المرحلة الخامسة والأخيرة من مراحل تصنيع الفانوس اليدوي، تتمثل في «التقفيص»..
وهى عبارة عن تركيب جسم الفانوس وتقفيله ليخرج بالشكل النهائي الذي توافق حرفيوالورشة عليه.
تعيد صناعة الفانوس اليدوي أو «الصاج»، إلى الأذهان فرحة رمضان بطعم زمان، وقت أن كانت قرى ومدن المحروسة تعج بغناء الأطفال «أهو جه يا ولاد.. هيصوا ياولاد.. زئططوا يا ولاد.. جبنا الفوانيس أحمر وأخضر.. بعد ما نفطر راح نتحضر.. لولا الحبايب لولا جينا ولا تعبنا رجلينا.. أدونا العادة»، ترحيبًا بقدوم هذا الشهر الفضيل، وترسم على الوجوه ضحكات المنتشين بروحانيات الصيام وحميمية «لمة العيلة»، وتتلاشى مع هذه الأغاني والضحكات المتاعب التي يتكبدها الحرفيون أثناء قيامهم بصناعة الفانوس.
كان المجتمع كله في تلك الأيام الجميلة، يقوم بدور مهم في تدعيم هذه الصناعة والحفاظ عليها، ففرحة كل أسرة بشهر رمضان لا تكتمل إلا بشراء «الفانوس الصاج» للأطفال، والفنانون من جانبهم كانوا يتنافسون في تأليف الأغاني مثل «وحوي يا وحوي»، التي يرددها الأطفال حتى اليوم، وهم يجوبون شوارع مصر حاملين الفانوس الصاج.
إلا أن السنوات الأخيرة شهدت ركودًا في صناعة الفانوس الصاج، وذلك بعد اجتياح المنتج الصيني للأسواق وغزوه لكل المنازل، وهو ما جعل عدد الورش المتخصصة في هذه الصناعة تتناقص بشكل مستمر، والسبب في ذلك قلة الطلب على شراء الفانوس المصنع يدويًا، وهو ما جعل غالبية الحرفيين يضطرون إلى تغيير نشاطهم واعتبار صناعة الفانوس اليدوي ذكرى من الماضي الجميل.