رئيس التحرير
عصام كامل

الإخضاع بالإفقار


إنها خطة قديمة نفذها المحتلون الإنجليز والأوربيون من قبل لاحتواء مصر والسيطرة على مقدراتها وشل قرارها السياسى وحراكها القومى بعد النهضة الكبرى التى أسسها محمد على، وهى العمل على إفقارها، ثم وضع خطوط إقليمية حمراء لا يصرح لها بأن تتعداها، فالقيمة الكبرى التى تمثلها مصر فى موقعها وتاريخها ونيلها وثروتها البشرية والاقتصادية وتأثيرها القومى والعقائدى أغرت محمد على من قبل بأن يجعل منها إمبراطورية استطاعت أن تتوسع معتمدة على قدراتها الاقتصادية، حتى دكت الأبواب الجنوبية للخلافة العثمانية فى الأناضول، بعد ضم الشام والحجاز والسودان، فتحالفت أوربا كلها ضده لإيقاف ذلك التوسع الإمبراطورى المصرى، ثم وقع خلفاؤه بعد ذلك فى براثن خطة الإفقار التى وضعت لهم فى الخفاء فسقط الخديو إسماعيل فى قبضة الديون حتى سيطرت على مصر إرادة السنديك وكيل الدائنين وقناصل أوربا، ثم كان الاحتلال العسكرى الصريح لمصر بعدها، الذى وضع خطوطا حمراء فى السياسة والاقتصاد والتصنيع لم نستطع أن نتعداها حتى الآن، وأصبح بعدها تطوير الاقتصاد المصرى قرارا دوليا يستلزم موافقة الدول المهيمنة عليه.


وعندما هب المصريون فى ثورة يناير ليخرجوا على النظام الذى كان يرعى هذا الميزان ويلتزم تلك الحدود الموضوعة عادت القوى الدولية المهيمنة لخطتها القديمة، فهيأت الظروف السياسية من الداخل لإهلاك الاحتياطى النقدى المحدود لمصر فى فترة الحراك الثورى حتى صار فى حدود الخطر، ثم اجتهدت تلك القوى لمنع المساعدات من الوصول إلى مصر بالاتفاق والأمر لإحكام الخناق الاقتصادى عليها، ثم عرضت بعدها شراء أصول مصر بواسطة الدول التابعة لها، فرأينا قانون الصكوك يطبخ فى ليلة وضحاها، وكأنه مفروض عليها، حتى تصبح مصر مائدة مستباحة للآخرين كما كانت فى عصر الاحتلال.

ويحزن المراقب للأحداث أن يرى كل تلك المؤامرات والخطط تنفذ بيد من يدعون أنهم مصريون أو أنهم مسلمون، وقد علمنا من دروس التاريخ القريب أن الإفقار سياسة المستعمريين، وأن الاحتلال تسبقه الديون، سواء كان احتلال الأرض، أم قهرالإرادة وضرب الطموح، فهل نَعْتبر أم نكن من الغافلين؟
الجريدة الرسمية