إنما للصبر حدود!
خلال كلمته في الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، أوائل نوفمبر الماضي، وعدنا الرئيس «السيسي» بـ«انتهاء مشكلة ارتفاع أسعار السلع الغذائية في شهر ديسمبر 2015».
ثم انقضى ديسمبر، وجاء من بعده يناير، وفبراير، ولم يتحقق وعد الرئيس، وأخرجت الأسعار لسانها للجميع.
وفي شهر مارس الماضي، وخلال حضوره المناورة التعبوية للقوات البحرية «ذات الصواري»، جدد الرئيس وعده بأنه «لن يكون هناك أي زيادة في أسعار المواد الغذائية، والسلع الاستهلاكية نتيجة أزمة الدولار، ولن يتم المساس بكل احتياجات محدودي الدخل»، نافيًا وبشكل قاطع «ما أثارته وسائل إعلامية، بأن ارتفاع سعر الدولار سيؤدي إلى زيادة أسعار السلع بنسبة تتراوح من 20 إلى 25% عن سعرها الأصلي».
ثم انقضى مارس، وأبريل، وجاء مايو شاهدًا على توحش الأسعار، وخروجها عن السيطرة.
فعن أي أسعار كان يقصد سيادة الرئيس؟!
وفي يناير الماضي، وخلال احتفالية «يوم الشباب المصري» بدار الأوبرا، قال الرئيس السيسي: «قررت أن يكون عام 2016، عامًا للشباب المصري، تقديرًا لشبابنا المثقف والرائع».
لكن المحزن والمؤسف ما أكده نواب وأعضاء بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، في جلسة الإثنين 16 مايو، أن «عام الشباب تحول إلى عام حبس الشباب»، منتقدين الأحكام التي صدرت بحق الشباب الذين ألقي القبض عليهم في مظاهرات 25 أبريل المعارضة لاتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، والتي أوقعت جزيرتي تيران وصنافير تحت سيطرة المملكة.
فعن أي شباب يتحدث الرئيس؟
وفي أكثر من مناسبة يؤكد «السيسي» اهتمامه بالفقراء ومحدودي ومعدومي الدخل، وأنه ينحاز لـ«البسطاء».. لكن بينما سوط ارتفاع أسعار السلع والخدمات يلهب ظهر معظم فئات الشعب، قررت الحكومة، في مارس الماضي، «خفض سعر الغاز الطبيعي لمصانع الحديد والصلب، من 7 دولارات إلى 4.5 دولارات، لكل مليون وحدة حرارية»، بحجة أن هذا القرار «في صالح المواطنين»، لأنه سيدفع تلك المصانع للعمل بكامل طاقتها الإنتاجية، مما يوفر فرص عمل.
فأيهما كان أولى بالدعم، «حيتان» رجال الأعمال، أم المواطن الذي لا يجد ما يأكله؟
وبينما كان الرئيس السيسي يعطي إشارة البدء بحصاد أول محصول للقمح في «الفرافرة»، ضمن مشروع زراعة 1.5 مليون فدان، في إطار خطة اكتفاء مصر ذاتيًا من القمح، كان الفلاحون يعانون من توريد المحصول الاستراتيجي للشون الحكومية، وهي الأزمة التي سلط الإعلام الضوء عليها، قبل أن تتدخل الرئاسة لحلها.
المفاجآت لم تتوقف عند هذا الحد، إذ يبدو أن معظم المصريين باتوا «عالة» على الحكومة، والبرلمان الذي انتخبوه، إذ قررت الحكومة رفع أسعار بعض الأدوية بنسبة 20%، وبررت رئاسة الوزراء هذا القرار بأنه «يصب في صالح المواطن المصري أولاً»، موضحًا أن هذا القرار «سيحمس شركات الأدوية على تصنيع هذه العقاقير وتوفيرها للمواطن»!
قطعًا من حقك أن تسأل: لماذا لم تجبر الحكومة هذه الشركات على الإنتاج؟ وأين الشركات الداوئية للقطاع العام؟ وهل الحكومة تنحاز للبسطاء أم لمافيا الأدوية؟ وبالمرة، لماذا لا تحدد الحكومة قائمة بالأمراض التي يتوفر لها الدواء؛ لإتاحة «حرية المرض» للمواطنين «الفقراء»!
سيادة الرئيس:
لقد تكالبت علينا الأزمات الحياتية، ولن نُحمل المسئولية لأحد سواك.. فنحن -الفقراء والمعدمين- لا نعرف إلا أنت.. انتخبناك أنت.. منحناك الثقة.. صبرنا أيما صبر على الجوع.. ربطنا الأحزمة على بطوننا، بينما نرى بعض رجالك وحاشيتك من «إخوان الشياطين» يرفلون في النعيم، ويتفننون في «الفشخرة، والبهرجة».. كتمنا أناتنا ونحن نشيع شهداءنا؛ حتى لا نزعجكم في قصركم الرئاسي، بينما تؤكد الداخلية أن وزارتها «مخترقة»، وبعض أفرادها «الخونة» باعوا زملاءهم للإرهابيين، والقتلة، والسفاحين، وعصابات المخدرات.
سيادة الرئيس:
لقد رفضنا أن تنزل دمعة من أعيننا ونحن نرى بيوتنا تنهار على رءوسنا، ومحلاتنا تُحرق أمام أعيننا، وبضاعتنا تلتهمها يد الإهمال والفساد، و«شقى عمرنا» يضيع هباء، بينما الذين تسببوا في هذا الخراب ما زالوا في مناصبهم، وعلى كراسيهم الوثيرة يدلون بتصريحات تستخف بعقولنا، وتحرق قلوبنا أكثر من النار.. فمتى تتدخل لإنقاذنا، قبل أن نتدخل نحن لإنقاذ البلد من الفاسدين، والمحتكرين، ومعدومي الضمير؟!