إلى كل أم ثكلى؟
ما أصعب هذه المواقف التى تشق على النفس الغوص فيها وما أكثر الألم الذى تكابده الأمهات التى فقدت فلذات أكبادها فى ثورة كانت من أجل الأم الكبرى ألا وهى مصر .. الفراق ذلك الخط الفاصل والجدار العالى الصخرى الذى يحول بينها وبين أحبائنا فليس هناك أغلى من الشباب الأبناء.
هناك قول مأثور عنهم أى عن الشباب فى الكتاب المقدس حيث يصف أبناء الشبيبة أى الشباب على اعتبار أنهم كسهام بين جبار، فهم سهام الأمة التى عندما يعتدى عليها أحد سرعان ما تطلق من قوس الكرامة لتصيبهم فى مقتل.
بعيدًا عن مسحة الحزن وقلوب الأمهات المكلومات فى تلك المناسبة وهى " عيد الأم " الذى فيه يتسابق الأبناء ليقدموا لأمهاتهم الهدايا اعترافًا بجميلهم فى تربيتهم فالأم التى سهرت الليالى وكبرت وعلمت هى كالبستانى الذى يرعى زرعته وينظر إليها يومًا بعد الآخر وهى تنمو فيفرح بها ويتهلل قلبه ويرى فيهم ما فاته وعندما يكبرون أمامهن تهون تضحياتهن وتعبهن فهن امتدادنا بل هم ذخيرة الأمة.
يوم تنتظره كل أم لكى تفرح بحصاد جهدها وتعبها لكى تبتهج بحلم عمرها الذى أصبح أمامها حقيقة وواقعًا ولكن الحياة بها ما يسر ويبهج وبها أيضًا ما يثير الشجن والأحزان وأن الله قد جعل هذا مع ذاك لكى يعتبر الإنسان ولكى ما تستقيم حياته، ففى يوم الخير يكون الإنسان فى خير وفى يوم الشر يعتبر لأن الله قد جعل هذا ناموس للحياة، فهو الذى يدرك ويعلم ما هو الصالح للإنسان حتى ولو كان قاتمًا وحتى ولو بدا الظرف أسود فإن بداخله قد تكون هناك وردة بيضاء أو بضع كلمات جميلة معزبة وشافية للنفس.
فماذا نقول لكل أم قد فقدت أبنًا لها فى ثورة الكرامة ماذا نقول لها لكى ما تجفف دموعها ؟ قد لا نستطيع أن نحبس مشاعرها أو لا نستطيع أن نغلق مآقى العيون لأن من فقدوا هم فلذات الأكباد هم الحلم، هم العمر، ماذا لدينا من كلمات للتعزيات لهن ؟ نحن لا نعزيهن لأن كلماتنا لا يمكن أن تعزيهن أو تكون سببًا فى إزالة ذلك الحزن عنهم فما هى كلمات الإنسان التى يمكن أن تكون عوضًا لهم عما هن فيه .. حتى ولو كانت لدينا كل مفردات كلمات التعزية وكل ما احتوته قواميس الدنيا من كلمات فهى ستظل عاجزة .. ولكن هناك مصدر واحد للتعزية هى سواقى الله الملآنة تعزيات، وهى التى يمكن أن يكون عوضًا لهؤلاء الأمهات عن أحزانهن، إن هؤلاء الأبناء قدموا أعظم هدية للأم الكبرى " مصر " وهى أرواحهم من أجل أن يعيش أمهاتهم فى عزة وكرامة ولكى ما يعيش أخوتهم فيما بعد فى حرية أقوم على غدهم يجدون ما يأكلونه وما يضمن لهم الحياة الكريمة.
فى ظل دولة تحافظ عليهم وتمنحهم كل ما يطلبونه هذه هى هديتهم لأمهاتهم لذلك هم هدية للأم الكبرى وهى " مصر " الأم الباقية فهم أيضاً لم ينسوا أمهاتهم يوم أن خرجوا فى 25 يناير يوم أن وقفوا فى وجه الظلم ومازالوا يقفون، ولم يكفوا عن تقديم أرواحهم هدية لأمهم " مصر ولأمهاتهم " فلكل أم قد فقدت ابنًا هى لم تفقده فهو وإن غاب عنها بالجسد فروحه تحوم حولها، وهم يعيشون بداخلنا فتنفسهم مع الهواء هم شهيقنا وزفيرنا هم زوار أحلامنا نستأنس بهم ونعيش معهم أحلى اللحظات، هم أجمل ما لنا فى ذكرياتنا هم فى أجسادنا فهم جزء من لحمنا وعظامنا كما أنهم قد ضمهم ثرى مصر الغالى الذى رووه بدمائهم .. فلا تحزن أيتها الأمهات الكريمات بل ارفعوا رءوسكم فى شموخ وعلياء لأنكم قدمتن للوطن أجمل الأشياء قدمتن فلذات أكبادكن فهنيئًا لكم الهدية الكبرى والفوز العظيم.