لماذا بكت زوجة محمود سامي؟
البلطجية يحاوطون الميدان من كل جانب، لا أحد يعرف ماذا يحدث، الثورة ما زالت في بدايتها، عيناه تاهتا بين الوجوه، الطوب يأخذ مكانه على رءوس الثوار، الجمال تتوسط المعركة، نظر مرة أخرى فوجدها أمامه، هي التي أحبها منذ اليوم الأول، رآها فأدرك أنه لا مفر، خفق قلبه بشدة ربما تكون تلك النهاية فأمسك يديها معترفًا لأول مرة بحبها: «هدير.. أنا بحبك».
لم يدرك أنه سينتصر في آخر اليوم، هذا النصر ما هو إلا خطوة لثورة تشربته حد النخاع، سمِّ ذلك ما شئت، حماقة، ثورية حالمة، إدمانًا للثورة، عملاً إجراميًا أو إرهابيًا، ناهيك عن المسميات.. لكن هذا ما حدث، وهذا ما رواه محمود سامي الذي حُكم عليه بخمس سنوات ضمن قضية متظاهري "الأرض".
التقيت محمود لأول مرة منذ أربع أعوام، وهو يثور في الميدان وأنا أغطي الحدث، شاب قصير شعره يزحف إلى الوراء لكنه ثابت، الشائعات التي يتم إطلاقها بين حين وآخر في مثل تلك الأوقات تفزع الكثيرين، لكنه لا يلتفت إليها كثيرًا ولا يعلو صوته، دومًا تشعر أنه يملك الكثير أو على الأقل يعرف كيف سيتحرك.
حتى الآن كانت الأمور طبيعية، عرفني وعرفته شكلاً فقط، حتى فاجأني خلال العام الماضي بأحد المراكز التي كنت أتعلم فيها اللغة الإنجليزية وقد سبقته إليها، فجاء هو لنلتقي مرة أخرى، لكن تلك المرة كان مختلفًا، فهو قد تزوج وأخبرنا قصة حبه التي سردتها في أول المقال في «بريزنتيشن» باللغة الإنجليزية كما هي العادة في تعليم اللغة، فيصبح على كل طالب تقديم "بيزنتيشن" باللغة الإنجليزية.
حكينا كثيرًا عن أيام الماضي، لكن محمود كان لديه مستقبله أيضًا، يدرس اللغة لكي يحصل على وظيفة أفضل، متفتح وعاشق.. حكى لنا جميعا كيف يرى نظرة عائلته إلى زوجته غير المحجبة، ولذة أن تقبّل امرأتك قبل أن تترك البيت.
شيئان فقط كان يحكي عنهما طوال مدة الدراسة، الثورة وزوجته، التي أعرف اسمها وشكلها فقط، فكانت هي الأخرى في الميدان دومًا، ذكرني بتشي جيفارا وهو يقول ذات يوم سأحتفل بعينيك والوطن، ناقم على ما آل إليه حلم الشباب، يدرك جيدًا أن المسيرة طويلة، ويتحدث دومًا عن أحلامه التي لا تختلف عن أحلام مصر، ويعترف أن الإخوان سبب خراب ما نحن فيه.
إلى هنا بدا الأمر عاديًا، بل إنني لم أفكر هذا المقال بسبب ما سردت سابقًا، إلا أنني بمجرد قراءتي خبر القبض عليه، تذكرت ذلك اليوم الذي دارت بيننا -كطلاب- مناقشة كان السؤال الذي تم توجيهه من أحد الطلاب إليه «إيه أكتر حاجة مراتك بتكرها فيك؟» فجاوب: «بتكره نشاطي السياسي رغم إنها ثورية»، حتى أحزننا جميعًا حين أكمل: «دخلت عليها قبل كدة ولقيتها بتعيط ولما سألتها مالك قالت لي خايفة يحبسوك بسبب اللي بتكتبه على فيس بوك».
اليوم بكت هدير، بكت كثيرًا، زوجها سيحبس خمس سنوات، تذكرت حلمه في الانتقال لوظيفة أفضل، بل تذكرت يوم أن طلبت منه دار الكتب والوثائق أن يمدها بخريطة 25 يناير التي أعدها هو ورفاقه في 24 يناير.
هو ليس إرهابيًا، أو ينتمي للتيار الإخواني، فقط طالبَ بمصرية الأرض، اليوم كتبت عن محمود لأني أعرفه، ربما هناك قصص أكثر حزنًا وألمًا لا نعرفها، لكني أدرك جيدًا أن كلاً منهم يستحق الكتابة.