رئيس التحرير
عصام كامل

«شهر رمضان» يقترب.. ونحن نبتعد!


لم يعد على شهر رمضان الكريم سوى ثلاثة أسابيع تقريبًا، وللأسف بالرغم من معاناة الأسرة المصرية اليومية والشهرية، فإن معظم الأسر تبدأ تستعد لهذا الشهر، بالشراء، الغريب أننا مع مرور الأيام والسنين نبتعد رويدًا عن الأهداف الحقيقية لهذا الشهر الفضيل، من أهداف هذا الشهر إحساس الأغنياء أو القادرين، بإحساس الفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم، وربما لا يجدونها إلا من معنوات أولاد الخير، إلا أننا من عام لآخر تتغير سلوكيات الشعوب وللأسف للأسوأ، وأصبح الهم الأول هو الأكل والشرب، وللأسف في معظم الأحيان تتحمل الأسرة المصرية أكتر من طاقتها.


كان شهر رمضان شهر البساطة في كل شيء وصلة الرحم، وأيضًا التقرب من الله بدون مبالغة، وفي الريف المصري في الستينيات كانت ليالي رمضان فريدة، كنا أطفالاً نتجمع قبل المغرب عند المسجد حتى يصعد المؤذن من أجل أذان المغرب، وكانت هتافات الترحيب به تنطلق، طبعًا لم يكن هناك ميكروفونات أو حتى كهرباء، وبمجرد أن يقول "الله أكبر" نتسابق بالجري كل منا إلى بيته، للإعلان عن أذان المغرب وحان وقت الأكل، كان الإفطار عادة على حلبة حصى أو ينسون، والأسرة المستورة تمر فقط أو تمر وزبيب!

وبعد الإفطار وصلاة المغرب في البيت كان الرجال والشباب يتجهون إلى المساجد لصلاة العشاء والتراويح إحدى عشرة ركعة فقط، وكانت تسالي رمضان في سماع مسلسل ألف ليلة وليلة، ومسلسل البرنامج العام بطولة فؤاد المهندس وشويكار، وآخر في الشرق الأوسط، وفوازير آمال فهمي ونسمع أغاني رمضان التي تذاع حتى الآن، والطريف أن في بيتنا حجرة بابها كان خارج البيت، كنا نتجمع فيها -شبابًا وأطفالاً- لنسمع حكايات من الشيخ إبراهيم أبو سلامة، عن أيام سيدنا محمد رسول الله، والخلفاء، وصولاً إلى حكاياته مع كبار مقرئي القرآن، أمثال المنشاوي الكبير، والشيخ مصطفى إسماعيل وعبد الباسط، وغيرهم، ويستمر حتى السحور.

أما في القاهرة وكنت أقضي شهر رمضان مع أشقائي الكبار الذين يدرسون في الجامعة، فالأمر كان مختلفًا، شتان بين إحدى قرى الغربية والقاهرة عاصمة العالم العربي وأم الدنيا، ومن حسن الطالع أن أعيش بعض طفولتي في أجمل أحياء القاهرة "شبرا مصر"، حارة علاء الدين، وشاهدت بعيني أجمل صورة تتميز بها مصر عن الدنيا كلها، الاعتماد على مدفع الإفطار لتناول الإفطار، والصورة الأهم في شبرا مصر، الشوارع والحواري، تفاجئك الزينات في كل مكان.

الزينة فوانيس كبيرة وصلبان كبيرة في تعانق مثير للدهشة، ولا تعرف البلكونات من أصحابها مسلم أم مسيحي، وتشعر بأجمل لوحة خطها الإنسان المصري وأكثرها، وأتحداك في شبرا المزدحمة بالمسيحيين، أن تجد أثناء الإفطار أحدًا في الشوارع، فهم يأكلون تقريبًا في نفس موعد الإفطار، عم عوض الله الحلاق يتناول الغداء أثناء الإفطار، عم جرجس المكوجى نفس الشيء، أما عم لمعي المسيحي أشهر بائع فول في رمضان في أحمد باشا كمال وعلاء الدين وحكرعزت، وعم عطية صاحب الفرن البلدي الجميل.. كل هؤلاء مسيحيون على الورق، ولكنهم جميعًا لم أر منهم أحدًا يمسك زجاجة مياه أو يأكل، سواء أيام طفولتي أو عندما صرت شابًا وجئت للقاهرة...إلخ

لم تكن هناك ثلاجات في البيوت ولا يوجد تخزين، وكانت البساطة والرضا في كل بيت وكل نفس، أما الآن كل الأشياء تجاهلناها، ولم يعد رمضان هو رمضان، كنا نشاهد فوازير ثلاثي أضواء المسرح، ومسلسل اجتماعي 7 حلقات، وآخر تاريخي أو ديني، الآن خمسون مسلسلاً، ومهرجانات التهريج والكلام الفارغ، أيام ويقترب رمضان ولكن لا بد من الاعتراف أننا نبتعد عنه للأسف، واللهم بلغنا رمضان.
الجريدة الرسمية