السلطة والجامعة (5)
وكانت قرارات الاجتماع التأسيسى الأول كالتالى:
1- تشكيل لجنة مؤقتة لمباشرة العمل حتى يتم "انتخاب " لجنة دائمة.
2-ترك مركز الرئاسة خاليا وبذل المساعى لأخذ موافقة أحد كبار أمراء الأسرة العلوية على توليها.
3-تسمية هذه الجامعة "الجامعة المصرية"
4-نشر الدعوة للمشروع في جميع الصحف.
5-أن تكون الجامعة عامة لكل طالب مهما كان جنسه أو دينه.
6-فتح الباب للاكتتاب في المشروع واكتتب الحاضرون بمبلغ 4485 جنيها، وجاء أكبر اكتتاب من حسن بك جمجوم (ألف جنيه) يليه كل من مصطقى بك الغمراوى ومحمد بك راسم (كل منهما 500 جنيه).
وتم التوافق على تشكيل اللجنة من:
1-سعد بك زغلول وكيلا
2-قاسم بك أمين سكرتيرا للجنة
3-حسن بك سعيد أمينا للصندوق
4-ثمانبة أعضاء هم: (محمد بك عثمان أباظة - محمد بك راسم - حسن بك جمجوم - حسين بك السيوفى - اخنوخ افتدى فانوس - محمود بك الشيشينى - مصطفى بك الغمراوى).
وقد تبرعت الكثير من الصحف بنشر إعلان الاكتتاب مجانًا... وبمجرد أن علم مصطفى كامل باجتماع اللجنــة وإعلان التأسيس وهو في أوروبا أرسل رسالة احتجاج لانعقاد اللجنة بدونه رغم جهوده وحرصه على المشاركة في التأسيس... وبدأت العداوة رسميًا بين سعد زغلول ومصطفى كامل لكنها لم تستمر طويلا لوفاة الأخير في فبراير 1908 عن عمر يناهز أربعة وثلاثين عامًا.
وبعد نحو شهر من هذا الاجتماع طلب كرومر تعيين سعد زغلول وزيرًا للمعارف فاستقال من عضوية لجنة الجامعة... والحقيقة أننى في بحثى هذا لمست تضارب الآراء حول شخصية ودور سعد زغلول، حيث إن كل ما كتبه أزهريون أو إسلاميون يميل للتشكيك في شخصيته من تركه لجنة تأسيس الجامعة المصرية بمجرد التعيين كوزير للمعارف وتصويره على أنه مقايضة متفق عليها مع كرومر، حيث إن سعد كان أول وزير مصرى منذ الاحتلال (ليس تركيًا ولا غربيًا) وقد برر كرومر اختياره سعد في مذكراته "إنه يرجع أساسًا إلى الرغبة في ضم رجل قادر ومصري مستنير من تلك الطائفة الخاصة من المجتمع المعنية بالإصلاح في مصر".
كما أن سعدًا من تلاميذ محمد عبده وأتباعه الذين أطلق عليهم "جيرونديي" الحركة الوطنية المصرية، والذي كان برنامجهم تشجيع التعاون مع الأجانب لإدخال الحضارة الغربية إلى مصر، الأمر الذي جعل كرومر يحصر فيهم أمله الوحيد في قيام الوطنية المصرية.
وقد ذكر سعد زغلول كرومر في مذكراته قائلا: "كان يجلس معي الساعة والساعتين ويحدثني في مسائل شتى كي أتنور منها في حياتي السياسية"، وكان يصفه بأن صفاته -أي كرومر- قد اتفق الكل على كمالها، وعن تلقيه نبأ استقالة كرومر في مايو 1907 فقد كتب "أما أنا فكنت كمن تقع ضربة شديدة على رأسه أو كمن وخز بآلة حادة فلم يشعر بألمها لشدة هولها.. لقد امتلأت رأسي أوهامًا وقلبي خفقانًا وصدري ضيقًا"، وكان هو من طلب تنظيم حفل تكريم لكرومر أسوأ حاكم ظل لمصر في تاريخيها، وهو الاحتفال الذي أقيم بدار الأوبرا وألقى فيه كرومر الخطاب الشهير الذي سب فيه كل المصريين ولم يوجه الشكر إلا إلى سعد زغلول..
وقد علق مصطفى كامل على تعيين سعد زغلول في الوزارة بقولة "إن الناس قد فهموا الآن أوضح مما كانوا يفهمون من قبل لماذا اختار اللورد كرومر لوزارة المعارف العمومية صهر رئيس الوزراء مصطفى فهمي باشا الأمين على وحيه الخادم لسياسته.. إلا أن الذين كانوا يحترمون الوزير كقاض ليأسفون على حاضره كل الأسف وليخافون على مستقبله كل الخوف ويفضلون ماضيه كل التفضيل ذلك لأن الوزير قائم الآن على منحدر هائل".
لم أستطع أن أكون رأيًا موضوعيًا عن الجدل حول طبيعة شخصية سعد زغلول واضعًا في اعتبارى العداء التاريخى للأزهريين ومن يسمون أنفسهم الإسلاميين بسبب اتهامهم "سعد" بنصرة قاسم أمين وتنفيذ أفكاره وقيامه بتشجيع زوجته على خلع النقاب واتباع المرأة المصرية لها.. أما بالنسبة لرأى مصطفى كامل فقد أشرت إلى أسباب بدء العداء بينه وبين سعد.
أما ما استغربت له في بحثى هو رفض سعد زغلول كوزير للمعارف الطلب الذي قدمته له الجمعية العمومية لعودة اللغة العربية إلى المدارس الأميرية في مارس 1907، لكنى إحقاقًا للحق ذكرت نفسى بالوضع السياسي وخطة الحكومة والاحتلال والذي كان يسيطر على البلاد في ذلك الوقت وربما كان سعد يحاول الإصلاح قدر المستطاع في تلك الظروف.. وقد حاولت أن أنقل بموضوعية وحيادية ما وجدته في المراجع المختلفة وأترك للقارئ الحكم النهائى في تلك الملابسات.
(يتبع)