رئيس التحرير
عصام كامل

«القانون 93».. الرئيس يخسر المعركة

نقابة الصحفيين
نقابة الصحفيين

كثير من مشكلات الحاضر لا يمكن مجابهتها إلا باستقراء خبرة الماضى وأحداثه التي لا تنفك أن تتكرر باختلاف الأشخاص.. ويصدق ذلك بشكل خاص على علاقة الصحافة بالسلطة الحاكمة وعلاقتها بالمجتمع.. غير أن الاستقراء ليس عملية سهلة لأنه يعنى في الواقع إعادة تركيب صورة الماضى وقراءتها بطريقة موضوعية.


المعركة الدائرة الآن حول اقتحام وزارة الداخلية لنقابة الصحفيين ومحاصرتها وما شهدناه خلال الفترة الأخيرة من حبس للصحفيين والتضييق عليهم ما هي إلا فصل من فصول العلاقة بين الصحافة والسلطة لا تقل أهمية أو خطورة عن المعركة التي دارت رحاها منذ ما يقرب من 21 عامًا في العاشر من يونيو عام 1995، وهو اليوم الذي انتفضت فيه الجماعة الصحفية ضد القانون رقم 93 والذي أطلق عليه قانون اغتيال حرية الصحافة وحماية الفساد في مواجهة امتدت لأكثر من عام في عهد الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك.

في 20 مايو 1995 اقترحت الحكومة مشروع قانون على البرلمان يتضمن تغليظ العقوبات في جرائم النشر وفرض قيود غير مسبوقة على الصحف المستقلة والحزبية والحريات الصحفية بشكل عام، وكانت الجريمة الأكبر هي طريقة إصدار القانون الذي لم يعرض على نقابة الصحفيين ولم تناقشه، وفى 27 مايو تم دعوة أعضاء اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب لبحث القانون دون إخطارهم بطبيعة المشروع، وفى مساء نفس اليوم وافق البرلمان على القانون الذي وقعه مبارك في نفس الليلة ونشر في الجريدة الرسمية في صباح اليوم التالي، لتستيقظ الجماعة الصحفية على تشريع أشبه بالعقاب يعد ردا قويا عن حرية التعبير والرأى ومقدمة للهجوم على الديمقراطية.

وكان الرد سريعا من جانب الجماعة الصحفية بإعلانهما الانتفاضة ضد القانون الظالم الذي صدر في غسق الليل، حيث عقد رؤساء تحرير صحف المعارضة اجتماعا بحزب الوفد مساء 29 مايو تقرر فيه تنظيم حركة حجب للصحف فقد احتجبت صحف الوفد والشعب والأحرار يوم 2 يونيو عن الصدور والحقيقة السبت 3 يونيو والأهالي الأربعاء 7 يونيو.
وفى الأول من يونيو عقد الصحفيون مؤتمرا عاما بنقابتهم حضره نحو 1500 صحفى وتمت الدعوة لعقد لعقد جمعية عمومية طارئة في 10 يونيو وظلوا معتصمين حتى انعقاد الجمعية العمومية وشارك في الاعتصام مئات الصحفيين من كل المؤسسات وبمختلف التوجهات السياسية.

وغطى الصحفيون جدران نقابتهم بالرايات السوداء ونشروا القائمة السوداء بأسماء النواب الذين تزعموا تمرير هذا القانون بمجلس الشعب وتم إصدار قرار بنشر صورة الدكتورة فوزية عبد الستار رئيسة اللجنة التشريعية التي مررت القانون “نيجاتيف” في الصحف وهو القرار الذي تم تطبيقه بالفعل حتى تم إلغاء القانون، وأقام الصحفيون جنازة رمزية شيعوا فيها حرية الصحافة.
وفى 14 يونيو اجتمع رؤساء تحرير الصحف المعارضة وأعلنوا فيه الالتزام الكامل بقرارات الجمعية العمومية للصحفيين وقررت بعض الصحف تنظيم حركات اعتصام بكامل محرريها بحديقة النقابة.

وعلى مدى أكثر من عام ظلت الجمعية العمومية في حالة انعقاد مستمر في عهد النقيب إبراهيم نافع، وانتهى الأمر بانتصار نقابة الصحفيين وتعديل القانون بقانون رقم 96 لسنة 1996.

انتصرت الجماعة الصحفية في هذه المعركة التي تعتبر الأشرس في تاريخها بسبب وقوف جميع الصحفيين في بوتقة واحدة لمواجهة العقوبات الغاشمة والمشددة التي أتى بها القانون وتصدى الصحف باختلاف توجهاتها القومية والحزبية والمستقلة لتغول السلطة الحاكمة على حرية الصحافة، وحوت صفحاتها العديد من المقالات التي فندت مواد القانون وحشدت الرأى العام وهيأته لمناصرة قضية حرية الصحافة.

فإرادة أنصار الحرية انتصرت ضد نظام مبارك الذي بلغ من الفساد والاستبداد مداه وكان بإصداره هذا القانون قد بدأ يسطر أولى صفحات نهايته، والشاهد أن هذه المواجهة قدمت نموذجا مهما وملهما في التضامن والوحدة بين جمعية عمومية ومجلس نقابة وقوى سياسية ورأى عام.
الجريدة الرسمية