رئيس التحرير
عصام كامل

اعتذار محمود..ولو تأخر !


في مقام المزايدات لا يجوز إنكار التراجعات، وفي حال الملطمة الزائفة، لا يجوز غض العقل والبصر معا عن ابتسامة خجل من مشاركة محمومة في العويل والصراخ، وفى مقام تضييق الخناق، لا يجوز قط التجاوز عن فرجة في الموقف، وانفراجة في الرؤية، بل وتوبة عن خطيئة مهنية..


من أجل هذا، يجوز جدا أن نحيي المهندس صلاح دياب صاحب جريدة المصرى اليوم، على نوبة الاستيقاظ الداهمة المفاجئة، متأخرة كانت، لكن المثل يقول أن تأتى متأخرا خير من ألا تأتى أبدا.

خرج المهندس العازف عن الكتابة،غالبا، بافتتاحية عن موقف جريدته المهنى من أزمة نقابة الصحفيين وعلاقتها بوزارة الداخلية، ولقد رأى أن منهج المصرى اليوم سياسي وليس مهنيا، وأنها انحازت للنقابة، وأغفلت الطرف الآخر، وأن هذا لم يحدث من قبل، وأنا أقول له: بل حدث عشرات المرات، وفي مقتل سياسي للدولة والوطن.. لكن ما علينا.. ليس هذا زمانه ولا مكانه.. بل فرحين سنمضى مع موجة الرجوع إلى الحق هذه، لأن مذاقها لذيذ ولأن نسيمها عليل، ونؤيد تماما موقف المالك من جريدته بأن ما وقع لن يتكرر أبدا.

رغم كل شيء نعيد التحية ونتمنى الصمود على الموقف، ولا تقع ردة مهنية مع أول خيط تبدو فيه الدولة واهنة أو في حالة دفاع عن النفس من كثرة الضربات واللكمات !

نوبة التراجع والاعتراف بخطأ الموقف السياسي والمهنى والوطنى تسربت أيضا سابقا من إعلاميين بادروا إلى القول" آسفون يا سيسي، لم نكن نصدقك، والآن نرى بأعيننا المشروعات والزراعات والطرق والعمائر.. "

وهذا الاعتذار هو الآخر فضيلة جميلة، وهو على أية حال أفضل وأجمل من اعتذار هؤلاء وغيرهم، ممن اختاروا الإخوان نكاية ورفضا لبقايا نظام مبارك، فرفضوا شفيق وجاءوا بالإرهاب وهم يعصرون الليمون بكميات هائلة أصابت الوطن بحموضة وقلوية معا!

الحق أن ممارسة السياسة شيء والتعبير المهنى عن العمل السياسي والرأي السياسي شيء آخر. فالعمل السياسي مجاله الشارع والحكم والناس، والصحافة هي ناقلة هذه الحركة بكل الأمانة والموضوعية والدقة والاحترافية، أما الرأى السياسي فمجاله منصات الفضائيات والأحزاب، وأعمدة الرأى في الصحف، وتقع المصيبة على رأس الوطن حين تختلط المهنة بالتحيز السياسي ضد الوطن في زمن الشدة والمسغبة بدعوى الدفاع عن الحريات، واقول إن ذلك جريمة وطنية مشينة حتى لو كان الجورنال حزبيا، إذ ليس مطلوبا منك أن تكذب وأن تبرر خطايا حزبك لمجرد أنك رئيس تحرير جريدته.
 أنت تدافع عن مصالح الوطن العليا ومصالح الناس، وعن الطريقة التي تري بها أنها الأنفع للناس لو أن حزبك فاز في الانتخابات.

في مقام الأحداث المتلاحقة في مصر، من حرائق متتالية في الأسواق الشعبية إلى حرائق في أسعار الدولار، إلى عمليات إرهابية، تستنزف منا عادة شهيدين وأربع مصابين إلى ثمانية شهداء ومصابين كل يوم أويومين، يصبح الخلط بين الدور المهنى الوطنى ومبدأ الحياد نوعا من التخاذل، أو الفرجة على وطن يحترق، أو مشاركة بالصمت، أو تواطؤا بالعناوين التحريضية.. ولا بأس ألبتة من اعتذار إثر زغرة زاجرة لائمة.

لماذا وقع تراجع مهنى وإعلامي ظهر مناصرا محتدا في تأييده لما سمى زورا بقرارات الجمعية العمومية للصحفيين ؟!

وقع التراجع بعد تصدع أبطال الفتنة النقابية، ممن آووا مطلوبين للعدالة، ورفعوا لافتات حرية الصحافة وكرامة الصحفي، وهو ما لايمكن أبدا الاختلاف عليه، لاجتذاب وتخدير شباب المهنة الغيورين على حرية التعبير، ونحن أسبق منهم في ذلك وما يتمتعون به حاليا من نص دستورى هو محصلة كفاح وصبر وملاحاة اجيال متصلة حتى بلغت ثمرة فوزها بدستور ٢٠١٤.

تهافت النقيب على نفسه وانشرخ مجلسه، وانصرف الناس عن الحشود التي قالوا إنها حشود، وقام قلاش بنفسه بنزع الصور النيجاتيف لوزير الداخلية المعلقة على جدران وأعمدة النقابة، ونشرت له صور بالمواقع الاجتماعية يحتفل بعيد ميلاده، واشك أن القلاش يمكن أن يحتفل ودم جنود حلوان لم يبرد بعد.

عموما الاعتذار عمل أخلاقى، لكنه حين يأتى بعد خسران ما تصوروه أنه البطولة، يصبح مزايدة، وطعمه ماسخ..لكنه ثانية خير من التمادى في تعاطى الغباء المهنى باحترافية، تغطى على نية سياسية مبيتة، وما هو مبيت ليس دائما خيرا.
الجريدة الرسمية