رئيس التحرير
عصام كامل

انتخاب آراس خطوة نحو إشراك المسلمين في صنع القرار بألمانيا

فيتو

جاء فوز السياسية المسلمة محترم آراس برئاسة برلمان ولاية بادن فورتمبيرغ ليلقي الضوء على المشاركة السياسية للمسلمين ووصول بعضهم لمراكز مهمة، لكنه يعد خطوة جريئة لحزبها، حزب الخضر، كما يرى السياسي الألماني سامي شرشيرة.

حصدت محترم آراس، السياسية الألمانية من أصول تركية أغلبية الأصوات في انتخابات رئاسة برلمان ولاية بادن فورتمبيرغ، التي جرت الأربعاء(11 مايو 2016).

وبذلك تكون آراس أول مسلمة ومن خلفية مهاجرة تصل إلى رئاسة برلمان ولاية بادن فورتمبورغ، الولاية الصناعية الغنية.وكان حزبها، حزب الخضر، قد رشحها لشغل هذا المنصب. بعد فوزها، اعتبرت آراس انتخابها بمثابة "علامة على الانفتاح على العالم والتسامح ونجاح الاندماج".

للبحث أكثر في خلفيات هذا الفوز وانعكاساته أجرت DWعربية الحوار التالي مع سامي شرشيرة، السياسي الألماني من أصول مغربية والعضو المؤسس لـ"مجموعة عمل المسلمين في الحزب الاشتراكي الديمقراطي":

DW عربية: هل يشير تبوُّء سيدة مسلمة رئاسة البرلمان في إحدى أغنى ولايات ألمانيا إلى تحول في السياسة الحزبية الألمانية؟

سامي شرشيرة: انتخاب السيدة محترم آراس يعد انجازًا جديدًا لحزب الخضر الألماني، وحلقة من حلقات سلسلة سياسة مميزة، تتوخى إشراك الأقليات الأجنبية عامة، والمسلمة خاصة، في صنع القرار السياسي داخل ألمانيا.

يمارس حزب الخضر الألماني هذه السياسة الجريئة منذ عشرات السنين على صعيد الولايات والحكومة الاتحادية بناء على قناعة حزبية عميقة، لكنها تبقى شبه معزولة ولا تدل على تحولات عميقة في السياسات الحزبية الألمانية عامة.

بالمقابل، نرصد حاليًا تحولات خطيرة لدى الأحزاب اليمينية - المسيحية في إقصاء الجاليات المسلمة كما أن مسؤولين سياسيين كبار يطالبون مثلًا بوضع كل المؤسسات الدينية الإسلامية تحت الرقابة. كل المؤشرات السياسية تدل على أن هذا الموقف التعسفي تجاه الأقليات المسلمة بألمانيا سيزيد الطين بلة في الانتخابات المقبلة للبرلمان الألماني، وخصوصًا بعد أن وضع حزب البديل الألماني اليميني برنامجًا متكاملًا لتجريد المسلمين في ألمانيا من الكثير من حقوقهم وإقصاءهم من المجتمع الألماني.

هل هناك أهداف انتخابية محضة وراء وصول بعض الشخصيات المسلمة في الآونة الأخيرة إلى بعض المراكز المتقدمة؟ أم أن هناك تفسيرًا آخر؟

أكيد أن هناك أهداف انتخابية معينة في توصيل بعض الشخصيات المسلمة لمواقع متقدمة، لكن هذا لا يمنع أن تتماشى هذه الأهداف مع قناعات حزبية معينة. ولعل حزب الخضر من أنجحالأحزاب الألمانية في الربط بين هذه الأهداف.

لا بد منالإشارةإلى أن حزب الخضر حقق نجاحًا كبيرًا في السنوات القليلة الماضية ما جعله لأول مرة في تاريخ الدولة الألمانية أكبر قوة سياسية في ولاية من أهم الولايات ألألمانية، وهي ولاية بادن فورتمبيرغ.

وفي الوقت نفسه استطاع حزب الخضر أن يقلص المسافة بينه وبين الحزب الاشتراكي الذي يعد ثاني قوة سياسة في ألمانيا. من أسباب نجاح هذا التحول تبني حزب الخضر لكثير من القيم الأصيلة التي كانت تحتكرها الأحزاب المسيحية وإدماجها في قيم حضارية متقدمة تعتمد على مفهوم مجتمع متكامل لا يعترف بالتفريق بين الألمان الأصليين والألمان ذي الخلفيات الأجنبية والمواطنين الألمان ذوي الجنسيات الأجنبية.

يعتبر البعض أن وصول سياسيين من خلفيات مسلمة إلى هذه المراكز هي قصص نجاح فردية، ولا تمتلك في واقع الأمر، الكثير من التأثير والفعالية. ما رأيك بهذا الكلام؟


لا شك أن هناك حسابات سياسة للعديد من الأحزاب السياسية الألمانية في إشراك بعض الشخصيات المسلمة في لوائحها الانتخابية، والهدف هو استقطاب أصوات المسلمين الألمان في الانتخابات التشريعية العام المقبل.

وهذا منهج نرصده من طرف الأحزاب المسيحية - اليمينية وكذلك الأحزاب الليبرالية. لكن أحزاب اليسار الألماني وحزب الخضر يبقوا متميزين في احتضانهم لمشروع المشاركة السياسية للجاليات المسلمة وإدخالها في قيمهم وبرامجهم الحزبية. إضافة إلى أن هذا المشروع يلقى تأييدا مكثفا من أغلبية كبيرة في قواعدهم الحزبية.


انتخب حزب الخضر قبل سنوات مسلمًا من جنسية تركية زعيمًا له على صعيد ألمانيا، وانتخب الحزب الاشتراكي مسلمًا من أصول عربية رئيسًا لكتلته البرلمانية في ولاية برلين، وكاد أن يكون عمدة العاصمة الألمانية مسلمًا من أصول فلسطينية. وكذلك نجد عددًا كبيرًا من البرلمانيين في شتى الولايات ينتمون لجاليات أجنبية ومسلمة.


هل نجاحات هؤلاء ووجودهم فعال أم أنه ديكوري تجميلي؟

فعال بالتأكيد، فمواقع مثل رئيس حزب ألماني أو رئيسة برلمان أو برلمانيين على صعيد الولايات أو الفيدرالية هي مواقع صنع القرار ولها تأثير كبير في أوساط المجتمع والحزب ذاته. لكن مدى تأثير هؤلاء الشخصيات يبقى طبعًا مرهونًا بنشاطهم السياسي والحزبي ومدى استعدادهم تحمل مسئولية الدفاع عن حقوق الأقليات المسلمة بألمانيا.


كيف تؤثر قضية اللاجئين في دعم إشراك المسلمين في الحياة السياسية؟

الواقع السياسي في ألمانيا منقسم حول التكيف مع قضية اللاجئين، التي أنتجت حالة استقطاب حادة. من العواقب المباشرة لهذا تحقيق حزب البديل الألماني نتائج خيالية بالنسبة لحزب حديث العهد في الانتخاباتالأخيرة في ثلاث ولايات. هذه الحقائق خلقت لدى الكثير من السياسيين الألمان تخوفًا كبيرًا مما قد تسفر عنه الانتخابات البرلمانية المقبلة.


وفيما يدفع سياسيون يمينيون إلى إقحام مطالب معادية للإسلام والمسلمين في برامجهم السياسية وصاروا يحذرون من اللاجئين، تشكلت كتلة سياسية أخرى من يساريين وتقدميين وخضر يصنفون الدفاع عن الأقليات المسلمة وإشراكها في الحياة السياسية من أوليات دولة الحق والقانون والنموذج الديمقراطي الألماني.

هل النجاحات مرهونة بقضية اللاجئين وزيادة عدد المسلمين في ألمانيا؟

قضية اللاجئين في ألمانيا سيكون لها بدون أي شك عواقب على المجتمع الألماني في ما يخص التحول الديموغرافي ودور المسلمين في ألمانيا. والجدير بالذكر أنالاقتصاد الألماني يحتاج سنويًا إلى نحو 500 ألف مهاجر جديد للحفاظ على القوة الإنتاجية الألمانية. وأكيد أن تزايد القاعدة الانتخابية المسلمة بألمانيا سيكون لها دور رئيس في تحفيز عدد من الشخصيات المسلمة على العمل السياسي والقفز بهم إلى مواقع صنع القرار. لكنه يصعب حاليًا تشخيص هذه السيناريوهات.

ما هي الفرص الحقيقية أمام المسلمين للوصول لمراكز حساسة والتأثير بالقرار السياسي؟

تكتل الجاليات المسلمة يصب مباشرة في مصلحة مواقع صنع قرار حساسة إذا اقترن هذا التكتل في تشبك سياسي حزبي حكيم. عندما يتجاوز المسلمون بألمانيا خلفياتهم العرقية والتاريخية والمذهبية ويجتمعوا على مبدأ الألمان-المسلمين كعنصر مشترك فهذا يقوي موقعهم السياسي والاجتماعي كثيرًا. يضاف إلى ما سبق،أن لدى العديد من الأحزاب الألمانية قناعة عميقة بضرورة مشاركة المسلمين في الحياة السياسية الألمانية ودمج الإسلام كدين ألماني معترف به.

وشهدنا في الماضي القريب عددًا من التحولات الجد مهمة،مثلا حوار الاعتراف بالمؤسسات الإسلامية كمؤسسات دينية، أو إدماج الدراسات الإسلامية في الجامعات الألمانية والمدارس الحكومية وغير ذلك من الإنجازات.

هل وصول هذه السيدة المسلمة لرئاسة البرلمان هو مثال جيد على نجاح الاندماج؟

وصولها دليل على الروح الديمقراطية الألمانية، التي تؤمن بمبدأ الفعالية الاجتماعية وتتجاوز كل الخلفيات العرقية والدينية.وهو في الوقت ذاته دليل على بُعد المسافات، التي قطعها حزب الخضر على هذا المنهج وضامن للمشاركة السياسية للمسلمين في ألمانيا.


هناك حزب إسلامي صغير ووحيد (BIGPartei)،وهو محدود التأثير. إلام تعزو عدم حضور المسلمين في المشهد السياسي كأحزاب وهيئات سياسية (كمجموعات عمل المسلمين ضمن الأحزاب)؟

هذا الحزب الإسلامي المذكور لم يستطيعأن يتجاوز ولاية شمال الراين فيستفاليا أو أن يكون له إشعاعًا على الصعيد الألماني الاتحادي. لكنه أيضا لم يستطيع أن يبلور برنامجًا سياسيًا مقنعًا يراعي فيه الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغير ذلك. وبقي برنامجه يراهن على العنصر الديني فقط.

إلام تعزو عدم وصل أشخاص لمراكز أكثر حساسية وتأثيرًا كعمدة لندن، البريطاني من أصل باكستاني صديق خان، ورئيسة مجلس الشيوخ الهولندي، الهولندية من أصل مغربي خديجة عريب؟

انشقاقات الجاليات المسلمة تعرقل بصفة مباشرة وصول عدد من الشخصيات المسلمة لمواقع صنع القرار. كذلك فقدان إستراتجية واضحة للمشاركة السياسية للجاليات المسلمة والتركيز على العناصر الفارقة بدل البحث علىالعناصر المشتركة. وهذا دليل على أن الجاليات المسلمة بألمانيا تحتاج إلى المزيد من ثقافة الحوار والتكوين السياسي وإشراك الجيل الثالث والرابع من مسلمين ألمانيا.


سامي شرشيرة: سياسي ألمانيمن أصول مغربية، وعضو مؤسس لـ"مجموعة عمل المسلمين في الحزب الاشتراكي الديمقراطي". وهو، كذلك، مستشار لدى وزارة الداخلية الألمانية في "المؤتمر الإسلامي الألماني" والناطق الرسمي لـ"شبكة الأخصائيين التربويينوالأخصائيين الاجتماعيين المسلمين"فيألمانيا.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية