ويسألونك عن «المشروعات القومية»
في أكثر من مناسبة، لم يتورع الرئيس عبد الفتاح السيسي عن توجيه اللوم للصحفيين أو الإعلاميين، مرتئيًا أنهم «مقصرون» في تسليط الضوء على الإنجازات والمشروعات الكبرى.
ورغم أنه لا يمكن التقليل من الدعاية الإعلامية لأية مشروعات، إلا أن لسان المواطن العادي يقول: «لا تحدثني عن الإنجازات، لكن دعني أراها بعيني، وأشعر بتأثيرها على أحوالي المعيشية»، خاصة أن الكثير من المشروعات التي أعلن عنها، وتم تنفيذ بعضها لم يشعر بها المواطن، الذي ما زال يعاني ارتفاع الأسعار، وتدهور أحواله، بعيدًا عن الأرقام الحكومية التي تبشرنا بزيادة معدلات النمو، كما كان يحدث أيام مبارك، وحكومة نظيف.
والحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن شريحة لا يستهان بها من المواطنين لم تعد تصدق الوعود الرئاسية، خاصة أن العديد من المشروعات «الكبرى» صاحبتها «بروباجندا» ضخمة، بينما جاء الواقع مخيبًا للآمال.
ففي يناير 1997 دشن الرئيس الأسبق حسني مبارك مشروع «توشكى»، وتم الترويج لهذا المشروع باعتباره سيحدث «طفرة» في مصر، في عدة مجالات.. لكن وبعد قرابة عشرين عامًا لم نشهد هذه الطفرة.. فأين يكمن العيب، في المشروع، أم في الحكومة، أم في الإعلام، أم في المواطنين؟
وفي عهد «مبارك» أيضا أُعلن عن بدء العمل بـ«منجم الذهب» بجبل «السكري»، وتم الترويج لهذا المشروع بأنه «سيقلب الموازين»، ويضع مصر على خريطة الدول المنتجة للمعدن الأصفر.. فيما قال الدكتور يوسف الراجحي، رئيس شركة «سنتامين إيجيبت» المنفذة للمشروع أن المنجم ستصل طاقته الإنتاجية القصوى إلى «16 طنًا» في 2017، وها نحن على أعتاب 2017، ولم نسمع شيئًا عن هذا المنجم، ولم تنخفض أسعار الذهب!
وعقب افتتاح «مبارك»، بعض قرى «الظهير الصحراوي»، في أغسطس 2006، فوجئت باتصال من مسئول كبير بوزارة الإسكان، طالبًا لقائي، وأمدني بأكثر من 600 وثيقة وأسطوانة مدمجة «CD» تكذب المسئولين عن تنفيذ المشروع.. وفجَّر مفاجأة، حينئذ، عندما أكد لي أن المباني التي عرضها المسئولون على «مبارك» لا أساس لها على أرض الواقع، وأن دراسات المشروع لم تكتمل أصلا، بل إنهم في الأساس لم يحددوا الأراضي التي سيتم تنفيذ هذه القرى عليها.
وقتها خشيتُ على نفسي من نشر تحقيق عن هذه «الفضيحة» في جريدتي الخاصة، فتواصلت مع عدد نواب المعارضة بمجلس الشعب، بعضهم نوابًا الآن في مجلس النواب، وعرضت عليهم الأمر، وقدمت لهم نسخة من المستندات، إلا أن شيئًا لم يحدث!
وكلنا نتذكر الصور التي التقطها «مبارك» عام 2008، بأحد حقول «القمح» بمشروع «شرق العوينات»، ووقتها كانت وسائل الإعلام تبشرنا بأننا على أعتاب «الاكتفاء الذاتي» من القمح، بينما كانت وتيرة الحكومة تتسارع للاستيراد من الخارج!!
فأين الحقيقة؟ وهل العيب، في المشروع، أم في الحكومة، أم في الإعلام، أم في المواطنين؟
ولم يختلف الوضع كثيرًا في عهد الرئيس «مرسي».. ففي 28 أبريل 2013، أعلنت وزارة البترول عن اكتشاف شركة «ترانس جلوبال» الكندية أكبر بئر بترول في العالم بمنخفض القطارة.. وأن دراسات حجم الاحتياطي، توقعت استخراج 20 مليار برميل (مكافئ) سنويًا، ما يجعل مصر أكبر دولة منتجة للبترول في أفريقيا والعالم، خلال أشهر قليلة. كما جاء في الخبر!!
وفي عهد «مرسي» أيضا أعلن مرشد الإخوان محمد بديع عن زيادة محصول القمح إلى «6 أضعاف»، بالإضافة إلى عدد من المشروعات التي وُصِفتْ بأنها «فنكوش»، في إشارة إلى أنها مشروعات وهمية، لم يستفد منها المواطن شيئًا.
فأين الحقيقة؟ وهل العيب في المشروعات، أم في الحكومة، أم في الإعلام، أم في المواطنين؟
وفي بداية توليه الحكم أعلن الرئيس السيسي عن تشغيل «ألف مصنع» خلال عام، وكان مزمعًا افتتاحها في «30 يونيو 2015»، إلا أنه بعد مرور نحو عام ونصف ما زالت المصانع تحت الإنشاء، بل إن جريدة «الوطن» وصفت المشروع بأنه «خدعة»، قبل أن تنشر تصريحًا بعنوان: («الإسكان»: مشروع «الألف مصنع» جاهز للافتتاح في أكتوبر)، ومضى أكثر من 6 أشهر على أكتوبر ولم يحدث شيء.
نفس الحال بالنسبة لمشروع الـ«مليون وحدة سكنية»، فحتى الآن لا يوجد حصر دقيق بإجمالي عدد الوحدات التي تم الانتهاء منها، أو تسليمها.. إلخ.
ثم جاء الإعلان عن اكتشاف شركة «إيني» الإيطالية، أحد أكبر حقول الغاز الطبيعي في العالم على سواحل مصر في البحر المتوسط، أغسطس الماضي، ليثير حالة من «التفاؤل المفرط» لمؤيدي السيسي، وتحفظات وسخرية بعض المعارضين للرئيس، محاولين تشكيك المصريين في جدوى هذا الاكتشاف، خاصة وأن أسعار المواد البترولية «انخفضت» في العالم كله، بينما بقيت كما هي في مصر.
ويبدو أن «القمح» أصبح قاسما مشتركا بين رؤساء مصر، فها هو السيسي يعلن من «الفرافرة» بدء حصاد للمحصول الاستراتيجي بمشروع المليون ونصف المليون فدان، في الوقت الذي كانت فيه «الشون» الحكومية «تمتنع» عن استلام القمح من الفلاحين، ولم تستجب الدولة للمزارعين إلا بعد التدخل الإعلامي!
في النهاية.. نحن لانشكك في نوايا أي رئيس، فقط نريد أن نعرف أين الخلل؟ وما هي الحقيقة من كافة جوانبها؟ وهل العيب في المشروعات، أم في الحكومة، أم في الإعلام، أم في المواطنين؟