رئيس التحرير
عصام كامل

الحرائق والبارانويا !


الحرائق هي التي نراها حولنـا في كل مكان، أما البارانويا فهو مرض مزمن يعاني منه كثيرون في بلادنا دون أي إحساس بالإصابة به؛ لأن أغلب المحيطين بالمريض هم أيضًا مصابون به بدرجة أو بأخرى !


والبارانويا تعني باختصار توهم أشياء على غير الحقيقة ويعتقد صاحبها أن هناك من يتآمر عليه ويتتبعه ويضطهده ولا شيء من كل ذلك غير صحيح إلا في ذهن صاحبها الذي تستمر تفسيراته هكذا وفقًا لاعتقداته!

فالحرائق مثلا -مثلا يعني- ترتكبها الحكومة للتغطية على شيء ما وأزمة نقابة الصحفيين جاءت للتغطية على قضية "تيران وصنافير" و"تيران وصنافير" نفسها تمت لــ "توسيع كامب ديفيد" ودخول دول عربية فيها ( بالطبع لا يعني هذا أن معارضي قضية "تيران وصنافير" مصابون بالبارانويا إنما نتكلم عن أصحاب هذا المنهج في تفسير كل القضايا.. نكرر.. كل القضايا التي يتعرضون لها) !

عند هؤلاء إقالة الزند لصراعات داخلية بينما حبس وزير الزراعة السابق لأنه بدأ بمحاربة الفساد وحادث حلوان للتخلص من مسئول كبير وهكذا يدخل مريض البارانويا في دائرة جهنمية يسجن فيها نفسه ولا يستطيع الفكاك ولا الفرار ولا الشفاء منها إلا بمعجزة !

وهو مثل البخيل لا يشعر ببخله ومثل المجنون يعتقد أنه أعقل الناس ـ حتى أن منهم من سيسخر من مقالنا هذا ـ والمريض بهذا المرض لا يمكنه أن يصدق أن أي نظام سياسي يسعى للاستقرار وإعطاء صورة جيدة داخليا وخارجيا عن بلده في عهده ولا يوجد نظام سياسي في التاريخ يظل في حالة تآمر على الناس بل على نفسه هكذا طول الوقت وإن لم يجد هذا الكلام وذهبت للإقناع العقلي من عينة أن كل حدث من الأحداث السابقه له سياقه وله حيثياته التي من المستحيل أن تكون إحدى خطط لها، فتوسيع "كامب ديفيد" مثلا كان يمكن في السابق والعلاقات العربية الأمريكية جيدة إلا أنها اليوم في أسوأ حالاتها بل إن أكبر دول الخليج وهي السعودية تنتظر أن يحكم أمريكا بعد أشهر أسوأ حاكم يمكن التعامل معه بل إن أمريكا في عهد أوباما باعت الخليج العربي كله واشترت إيران !

وهكذا في باقي القضايا فمثلا وزير الزراعة يحاكم علنيا ولم يقل عن نفسه ما قاله مرضى البارانويا السياسية ولم يقدم واحد منهم أي دليل على أن الوزير سجن لأنه يحارب الفساد ولم يقل أحدهم إن إقالة الزند للسبب الذي رأيناه وإنه لو تم الإبقاء عليه كانوا سيقولون أسبابًا أخرى للإبقاء عليه وعن الملفات التي يمتلكها على الجميع.. وهكذا !

صوت الوعي كله وليس العقل وحده غائب عند مريض البارانويا السياسية حتى أنه يعتقد أنه ومن معه ضحية لمؤامرة كبرى بينما ينكر المؤامرة الحقيقية التي يتعرض وطنه وسوف ينكرها مهما قدمت له من أدلة.. فهو لا يرى ولن يرى أن أوروبا وأمريكا وصحف العالم الكبيرة تركوا العالم كله ولم يعد يعنيهم إلا مصر ولا يرى ولن يرى معارضين ومتمولين تحولوا في سنوات قليلة جدًا من الإقامة في أحياء فقيرة إلى السكن في أكثر أحياء مصر ثراءً ويستقلون أغلى السيارات بعد أن كانوا إلى وقت قريب يستقلون الشباشب البلاستيك !!

هذا "الباراناوي" هو من يطالب ليل نهار بتطبيق قانون "من أين لك هذا" على الجميع إلا من حوله من المتمولين ليس لأنه فاسد ويشجع على الفساد.. أبدا أبدا.. بل إنما لأنه خارج دائرة الوعي الحقيقي أصلا !
... شفانا الله وإياكم !!
الجريدة الرسمية