رئيس التحرير
عصام كامل

أزمة نقابة الصحفيين..وفشل نظام مبارك!


خيمت أزمة نقابة الصحفيين على المشهد المصرى خلال الأسبوع المنصرم، وكانت هي القضية المحورية والأكثر إثارة للجدل سواء على مستوى الشارع أو وسائل الإعلام باعتبارها أحد أهم أدوات تشكيل الرأى العام، وبالطبع تأتى وسائل الإعلام الحديثة وعلى رأسها مواقع التواصل الاجتماعى وخاصة فيس بوك الأكثر استخداما داخل المجتمع المصرى في مقدمة تناول الأزمة والانشغال بها.


وأبرزت التفاعلات عن وجود انقسام حاد داخل المجتمع المصرى، حيث تراوحت التفاعلات بين مؤيد للجماعة الصحفية ومعارض لها، وبين مؤيد للداخلية ومعارض لها، وبين مؤيد للنيابة العامة ومعارض لها، وبين مؤيد للحكومة ومعارض لها ،بل وبين مؤيد للرئيس ومعارض له، وفى تقديرى الشخصى أن الأزمة أوضحت عدم قدرة النظام على معالجة واحتواء الأزمات، وحين نتحدث عن النظام فهو أشمل من النقابة والداخلية والنيابة العامة والحكومة، فالنظام هو مجمل السياسات التي تنتهجها السلطة في إدارة شئون البلاد، ومن بينها قدرته على مواجهة المشكلات والأزمات.

وحتى لا يكون الحديث مجردا، وعبارة عن طرح نظرى وفلسفى فسوف أطرح عددا من الوقائع التي تعبر عن أزمة النظام وفشله وعقمه في مواجهة ومعالجة الأزمات، وهو ما يمكن تشخيصه في أن سياسات نظام مبارك مازالت تحكم المشهد العام داخل المجتمع المصرى، فمازالت نفس الأساليب في التعامل مع الرأى العام كما هي، حيث يعتمد نظام مبارك على الذاكرة السمكية للمواطن المصرى، حيث يمكنهم إلهاءه بقضية وإشغاله بها عن قضية أخرى أكثر حيوية.

ففى الوقت الذي هب فيه الرأى العام معترضا على قضية جزيرتى تيران وصنافير، والتي أظهرت عجزا واضحا في توقيت طرح القضية وفشلا وعقما في تهيئة الرأى العام، وعدم تجهيز وتقديم مبررات مقنعة له خاصة وأن المستقر في العقل والضمير الجمعى أن الجزيرتين مصريتان، وفى هذه الأثناء ظهر الانقسام واستغلت القوى الإرهابية المعادية للشعب والسلطة معا الظرف لسكب مزيد من الزيت فوق النار، وحاولوا استغلال الأزمة لدق أسافين بين الشعب والسلطة، وبدلا من أن تقوم السلطة بنزع فتيل الأزمة، ومحاولة معالجة القضية بشكل أفضل قامت بخلق أزمة جديدة على خلفية الأزمة الرئيسية، أملا في صرف نظر الرأى العام عن القضية الرئيسية والانشغال بالقضية الفرعية.

وبالفعل كانت أزمة نقابة الصحفيين والتي أعادت مشاهد نظام مبارك الفاشلة والعقيمة بقوة، فالصحفي الشاب–المتهور-ينشر كلاما على حسابه الشخصى على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك-مثله مثل مئات وآلاف الشباب الذين يتفاعلون على هذه المواقع-يقع به تحت طائلة القانون، والصحفى الآخر الأكبر سنًا وخبرة يدعو معه للخروج للتظاهر يوم 25 أبريل-مثل دعوة الآلاف أيضا– فتصدر النيابة العامة قرارا بالقبض عليهما، فيذهبان للاحتماء بالنقابة، فتقوم وزارة الداخلية باقتحام مقر النقابة بالمخالفة للقانون والقبض عليهما، وكان الأحرى بالنائب العام ووزير الداخلية الاتصال بالنقيب ليقوم باصطحابهما لمقر النيابة للتحقيق معهما فيما هو منسوب إليهما.

وتحت هذا الضغط قام النقيب ومجلس النقابة بدعوة الصحفيين لجمعية عمومية لمناقشة الأمر، وبدلا من تحرك النظام واحتواء الأزمة تركوا الأمر يزيد تفاقما، وكما كان يفعل نظام مبارك خاصة عشية اندلاع مظاهرات 25 يناير حيث يجمع البسطاء والبلطجية والمسجلين خطر، ويحشدهم في مواجهة المتظاهرين السلميين قاموا بتكرار نفس السيناريو، لكن هذه المرة تحت مسمي "المواطنين الشرفاء" في مواجهة الجماعة الصحفية، حيث قاموا بسب وقذف جموع الصحفيين واتهموهم بالعمالة والخيانة، وأوهموا هؤلاء البسطاء بأنهم يريدون إسقاط الرئيس، رغم أن الموضوع برمته لا يمت للرئيس بصلة.

وانتهت الجمعية العمومية للصحفيين بعدة قرارات – وسواء اتفقنا أو اختلفنا حولها – فإن معالجة النظام للأزمة يعبر عن سياسة فاشلة وعقيمة، حيث حاول شق صف الجماعة الصحفية عن طريق بعض سدنة النظام من الصحفيين الذين يحاولون تبرير المخالفات القانونية لوزارة الداخلية، وفى هذه الأثناء جاء خطاب الرئيس وكان الجميع ينتظر إشارة للأزمة لكنه تجاوزها ولم يذكرها وكأنها غير موجودة ،وهو ما يذكرنا بأسلوب مبارك حين كان يردد مقولته الشهيرة "خليهم يتسلوا"، وحتى اللحظة لم نجد تحركا حقيقيا لحل الأزمة الأصلية، وهى أزمة الجزيرتين أو الأزمة الفرعية وهى أزمة النقابة، بل يقوم نظام مبارك بإعادة إنتاج نفس السياسات القديمة في التعامل مع الأزمات بالتجاهل وتصدير أزمة جديدة لتشتيت الرأى العام وإلهائه عن الأزمة القديمة وهكذا.

لذلك لابد أن يدرك الرئيس أن استمرار سياسات نظام مبارك الفاشلة والعقيمة في معالجة الأزمات تخصم كثيرا من رصيده الاجتماعي والشعبي، لأنها تساعد على تقسيم المجتمع وتفتيته وزيادة الصراع، في مرحلة نحن في أشد الحاجة إلى وحدة الصف ولم الشمل، والوقوف في خندق واحد لمواجهة المؤامرات الخارجية والإرهاب الداخلى، ولن تنجح المواجهة إلا بالتصدى لجماعة الإخوان المسلمين وجماعة مبارك الفاسدة معا لأنها الأكثر خطرا على مصر بما تفعله من محاولات لترسيخ نفس سياساتها القديمة الفاشلة والعقيمة، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

الجريدة الرسمية