رئيس التحرير
عصام كامل

القروض فيها سم قاتل !


القروض لا تبني ولا تحقق تقدمًا ولا تنمية ولا توجد دولة في العالم تقدمت بالقروض أو المساعدات والمنح بل بالعمل والإنتاج، وكثيرة هي الدول التي تحدت الصعاب واعتمدت على نفسها رغم قلة مواردها أو حتى انعدامها ولم تمتلك سوى إرادة التقدم والبناء والنهوض، وتحقق لها ما أرادت "لي كوان يو"، مؤسس سنغافورة، يقول في مذكراته إنه ورث دولة دون موارد وجيش وشرطة، أي أنه تولى حكم دولة بلا دولة، ولكن بالانضباط والإبداع واستغلال مواردها المحدودة المتمثلة في بعض الموانئ البحرية أصبحت واحدة من أهم وأكبر اقتصاد في العالم وسكانها الـــ 5 ملايين نسمة ناتجهم 350 مليار دولار والحد الأدنى لدخل المواطن فيها 60 ألف دولار سنويا، الصين الدولة الأكبر اقتصاديا وسكانيا لم تعتمد على القروض في بناء نهضتها..


هذا عكس حال مصر التي كانت ومازالت تعتمد على القروض في حل كل مشكلاتها (غذاء- دواء- كهرباء- نقل -بنية أساسية ) حتى أصبحت مهمة وزارة التعاون الدولي هي بالأساس البحث عن القروض والمنح والمساعدات في كل مكان سواء من الدول أو المؤسسات حتى وصل الدين الداخلي والخارجي لمرحلة الخطر وأقساطه وفوائده تلتهم جزءا كبيرا من الموازنة العامة، رغم أننا دولة تمتلك كل شيء وتستورد كل شيء والــ90 مليون ناتجهم القومي 280 مليار دولار ونصيب الفرد 3 آلاف دولار فقط سنويا..

السفراء الأجانب في مصر مهمتهم الأساسية الآن التسويق لمشروعات بلادهم ليس بالاستثمار، ولكن بقروض نحصل عليها منهم حتى نظل دولة مستهلكة لأن الدولة المُقرضة تشترط على الدولة المُقترضة إنفاق قيمة القرض على شراء منتجاتها وبضعف ثمنها..

التنمية تكون بالاستثمار وليس بالقروض، وبالتصنيع وليس بالاستيراد، ولذلك يجب تقليص دور وزارة التعاون الدولي (وزارة القروض) أو إلغاؤها لصالح وزارة الاستثمار، والفرق بين عدد المشروعات الاستثمارية التي وقعتها وزيرة الاستثمار وعدد القروض التي وقعتها وزيرة التعاون الدولي يتبيــن حجم الكارثة التي وصلنا إليها وخطورتها المستقبلية، فالقروض غالبًا تكون لمشروعات خدمية ولا توجه إلى مشروعات إنتاجية تضيف للناتج القومي وهي مجرد مسكنات ضررها أكبر من نفعها، حيث تُغرق الدولة بالديون وتُعلم الشعب الكسل وتُسهم في نشر البطالة والفقر والجهل والمرض هي سم في العسل أي موت على البطيء، وأخطر على مصر من التمويل الأجنبي للمنظمات المدنية، والوكلاء المصريون المستفيدون من القروض الأجنبية أكثرة خطورة من نشطاء حقوق الإنسان الممولين خارجيًا؛ لأنهم يدمرون الاقتصاد المحلي لصالح الاقتراض والاستيراد..

أما الاستثمار فإنه يحقق التقدم والرفاهية للشعوب ويوفر العملة وفرص العمل والخبرة، ومعظم دول العالم المتقدم حاليا لديها فائض في الأموال والمنتجات ومصر بعدد سكانها سوق كبيـــرة لهم، فهل نستسلم لذلك وليس في الإمكان أفضل مما هو كائن؟ حتى نقتــرض لمكافحة الفساد؟ وتطوير مستشفى قصر العيني وتطوير ترام مصر الجديدة الملغي!

لا يجب اللجوء للقروض إلا في أضيق الحدود وللمشروعات التي لا تجذب مستثمريــن مثل أعمال البنية الأساسية، خوفًا من أن يأتي اليوم الذي لا نستطيع فيه السداد.. واللهم احفظ مصر.
ahmed.ibrahim@elwatannews.com

الجريدة الرسمية