رئيس التحرير
عصام كامل

حتى نكون دولة !


"لا أخاف".. كررها الرئيس كثيرا أثناء كلمته الارتجالية، الطويلة نسبيا، في الفرافرة، احتفالا ببدء حصاد القمح في جزء من مشروع المليون فدان والذي أتمنى أن يتحقق فعليا ولا يتوقف عند بضعة آلاف من الفدادين، بالطبع الرئيس لا يخاف، ليس فقط بسبب سمات شخصية هو أدرى بها منا جميعا، هو أدرى بذاته وأحق بالحديث عنها، وربما أيضا كان عدم الخوف بسبب ترقيه في أقوى مؤسسة مصرية وتخرجه فيها مباشرة إلى رئاسة الجمهورية.. من أين يأتى الخوف له إذن؟ 


الرئيس يدرك تماما أن جميع مؤسسات الدولة معه، وبدون دخول في تفاصيل الجميع ينأى بنفسه عن الانزلاق نحو تبعاتها، الرئيس مؤيد من كافة القوى الفعلية في مصر( شبه الدولة) كما وصفها بنفسه في ذات الخطاب، كما أن القوى الناعمة بالضرورة معه، فبغض النظر عن بعض الأصوات المعارضة المنبثقة عن ثورة يناير أو تلك ذات التوجه الأيدولوجى الباحث عن العدل والمواطنة، نجد من يطلقون على أنفسهم النخبة المصرية أو الصفوة أو رموز الدولة منحازين منذ عهد ما قبل حركة الضباط في يوليو 52 إلى الحاكم المصرى أيا كان سمته أو انتماؤه، فأم كلثوم مثلا، التي غنت لناصر والثورة والاشتراكية، كانت غارقة لشوشتها في حب الملك المفدى فاروق، والتي شبهته بالبدر هي ورامى في أغنيتها الشهيرة والتي جعلت من الملك (الفاسد) بعد ذلك قمرا يهل مع هلال العيد.. أكل عيش ونفاق وتملق ارتبط تاريخيا باسم النخبة المصرية الباحثة عن الاستكانة والمن والمال بجوار سيدها الحاكم حتى وإن كان مملوكا !

كل هؤلاء مع الرئيس سواء جبلوا أو جبروا على هذا.. ولكن إحقاقا للحق أغلبهم اختار ذلك بمزاجه ووفقا لقوانين المصلحة والبراجماتية النفعية التي يكتبون ضدها ويحذرون منها الشباب وصغار الكتاب.. يكفى فقط أجر حلقة في برنامج فضائى حتى يتحولوا كلية عما ينادون به، ثم تراهم يفلسفون النفاق والمولالة المفضوحة ويربطون بينها وبين الوطن والوطنية والمؤامرات الكونية التي تهدف لإسقاط مصر ومحاربة الرئيس !

من أين للخوف إذن أن يتسلل للرئيس!، إن كان على مجموعة الشباب الهتيفة الثورجية من نبلاء يناير والذين لم ولن يرضيهم أي نظام يعادى قيم الثورة أو يجافيها أو حتى يسايرها شفويا فقط، فهؤلاء أغلبهم محبط أو معتقل أو الاثنان معا، لذا لم أشعر بالندم عندما دعوت هؤلاء النبلاء في مقال سابق لى، بعدم بالتظاهر وعدم الخروج يوم 25 أبريل الماضى، ذلك لأنهم في البداية والنهاية متهمون وملامون وفي الأعم الأغلب معتقلون، فمتهمون من أجل وطن لا يشعر بهم ولا يرضى بدفاعهم عنه... أليس من حقهم أن ينعموا مثل غيرهم بكم الإنجازات التي تحدث عنها الرئيس في شبه الدولة المصرية !

الرئيس تحدث عن مصر واصفا إياها بشبه الدولة.. حسنا سيدى الرئيس، ماذا ينقصنا لأن نصبح دولة وليس شبه دولة ؟

أتعلم ما ينقصنا سيدى الرئيس! ينقصنا العدل، ينقصنا المساواة التامة في الحقوق والواجبات، ينقصنا المساواة في فرص الحياة في مصر، ينقصا المواطنة، ينقصنا تطبيق الدستور على الحكومة، ينقصنا تطبيق القانون على كل فرد بغض النظر عن دينه أو عائلته أو ثروته أو وظيفته !

ينقصنا أن يخاف الرئيس !

نعم.. ينقصنا أن يخاف الرئيس من شعبه وأن يحاول إرضاء الجميع وفق القانون والدستور، ينقصنا أن يخشى الرئيس من غضب شعبه ومن محاسبتهم إياه، ينقصنا أن يخشى الرئيس من البرلمان الذي يمتلك صلاحيات ( على الورق طبعا) تمكنه من محاسبة الرئيس والحكومة وكافة مؤسسات الدولة... ولكن أنى لنا بهذا وكيف يحدث ونحن شبه دولة... إذن شبه مواطنين وشبه مؤسسات وشبه حياة... صدقت سيدى الرئيس، نحن شبه دولة في عالم لا يعترف إلا بالكيانات القوية والدول الحقيقية التي يخشى فيها الرئيس ونظامه ودوائر حكمه من المواطن العادى.. أن تخشى شعبك ليس عيبا سيدى الرئيس، بل هو تمام الكمال.
Fotuheng@gmail.com
الجريدة الرسمية