نعم.. نحن خائفون!
نعم نحن خائفون، دون أي خجل أو مواربة، كصحفيين صوتنا العالي نصفه من أجل الدفاع عن قلعة الحريات، والنصف الثاني خوف مما يحدث حولنا، من القوانين التي انتظرناها طويلاً كي نمارس عملنا بحرية بدون «غلاسة» ضباط الشرطة في الشوارع، خوف من عدم صدور قانون حرية تداول المعلومات أو صدوره مغلفًا بستار فضفاض يطلق عليه الأمن القومي، خوف من أن نستمر في تلك البلاد مطاردين في الشوارع معرضين للحبس لأننا نقوم بعملنا.
نعم خائفون أن يكون اقتحام نقابتنا بداية عصر التعتيم الذي سيستهدف وجود نوع واحد فقط من الإعلام، وهو إعلام ترويج الإنجازات وغض الطرف عن السلبيات، عصر تكون فيه سلالم النقابة متاحة للمواطنين "الشرفاء" ومحرمة على أعضائها، الخوف من سياسة الصوت الواحد والفرد الواحد وأن يتحول شعار "حرية الرأي مكفولة" إلى حرية الرأي مقفولة!
نعم خائفون أن يكون إصرار النقابات المهنية على التضامن معنا بتلك السرعة هو مؤشر لما وصلت إليه النقابات من طفح الكيل مما يحدث، وقد سبقنا الأطباء، لنصبح أمام نظام يعادي النقابات المهنية التي تعد ركيزة أساسية في استقرار أي نظام.
نعم خائفون أن يكون عقل وزارة الداخلية يعتقد أن اقتحام نقابة أمر عادي جدًا طالما كان بداخلها مطلوبون أمنيًا دون النظر إلى شيء آخر، ودون النظر إلى توابع الأمور داخليًا وخارجيًا، وأن يتحدث بعض المنتسبين إلى ضباط الشرطة على شاكلة "مش على رأسهم ريشة"، خائفون أن يكون هذا مستوى تفكير من يسهر على أمننا، أن يكون البيت كالنقابة لا فرق بين الاثنين، ألا يدرك أن منبر الرأي الأقدم في الشرق الأوسط هو رمز للحرية واقتحامه علامة أنه لا مكان للحرية سواء كنت صحفيًا أو مواطنًا يقول رأيه.
نعم خائفون أن يكون ما تردد خلال الأيام الماضية صحيحًا، أن الكراهية هي حقيقة إحساس فئة كبيرة من الشعب تجاه حرية الرأي، وبخلاف المواطنين "الشرفاء" لكن الخوف يكمن في أن يعتقد رجل الشارع الذي دافعنا عنه وسنظل –من باب واجبنا وليس تفضلاً- وعن مطالبه، أننا خائنون وليست لنا قيمة ويمكن أن يقاطعنا بسهولة وأن يوفر ثمن شراءه للجريدة ليصبّح على مصر!
نعم خائفون أن تكون تلك الحقيقة، وخائفون أكثر أن هناك من يُزيد تلك الأكاذيب، ينفخ في الرماد، يصور الصحفيين أناسًا يجلسون طوال الليل يخططون كيف يخربون تلك البلاد، إنها وصمة الخيانة نفسها التي دأبت عليها دولة مبارك لمنظمات حقوق الإنسان، لم نفق منها بعد، فنخشى أن يكون دورنا الآن.
نعم خائفون أن يعقب وقفتنا التاريخية والشجاعة في يوم العزة 4 مايو، تراجع من أصحاب المواءمات ودعاة الاستقرار الوهمي بالانبطاح، لم نلملم جراحنا من الذين خذلونا في ثورة يناير حتى الآن، تركنا السياسة واكتفينا بالمهنة، نخشى أن يكون الخذلان داخلها أيضًا وقد لاحت بوادره.
نعم خائفون أن تكون طريقة إدارة الأزمة من خلال «التطنيش» والاتصالات السرية والدفع بمؤسسات غير رسمية للتفاوض وكأن خروج رئيس الوزراء للحديث عن الأزمة أو محاولة احتوائها علنًا أمر يعيبه، أو كأن الصحفيين "مش قد المقام"!
نعم خائفون من سياسة التسفيه التي انتشرت عمدًا خلال الأيام الماضية وأصبحت كل القضية أن هناك قناة إخوانية -لا نعلم من أدخلها- كانت ضمن القنوات الإعلامية الكثيرة التي تناولت الجمعية العمومية للصحفيين، أن تكون تلك القضية وكيف دخلت، ومن وراءها، ونترك القضية الأساسية وهي اقتحام نقابة الصحفيين.
نعم خائفون أن تكون طريقة تعامل الأجهزة الأمنية مع كل أزمة هي "فرّق تَسُد"، هناك صف واحد فلنشقه نصفين ونلعب على عامل الوقت ثم تحريك الأنصار داخل كل نقابة ليظهر عدم الإجماع على رأي واحد، وكأن المكسب الوحيد أن ينهزم خصمك رغم أن إحساس الهزيمة يولد العداء، والعداء يولد الانتقام، والانتقام له وقت آجلاً أو عاجلاً.
نعم خائفون إن لم ننتصر أن نعلّق على المشانق، أن تعاقبنا الدولة على كلمة لا، أن يصدق الناس جميع ما تردد عنا، أن يقتنع كل ضابط شرطة أنه فوق القانون، والأهم أن تتحول النقابة إلى مداس بعد ذلك، فمن يرضى مرة سيرضى ألف مرة.. وقدرنا أن يقع على عاتقنا أن نقول لا.
نعم خائفون.. لأن كل ما سبق يشير إلى كارثة مقبلة وضياع لبلد لا نملك رفاهية الانتقال منه.