توشكى.. دروس الماضي
أعتذر للسادة القراء عن تأجيل استكمال سلسلة السلطة والجامعة للأسبوع القادم إن شاء الله.
أبهرنى الرئيس السابق حسنى مبارك وهو يعلن في التاسع من يناير 1997 المشروع القومى لاستصلاح 540 ألف فدان في مفيض "توشكى" القريبة من أبو سمبل في جنوب مصر، فقد أعلن أن هدفه زيادة الرقعة الزراعية إلى 25% من المساحة الكلية لمصر وتحقيق الاكتفاء الذاتى زراعيًا وخاصة من المحاصيل الاستراتيجية وأهمها القمح وأن دراسة الجدوى أن الفدان يتكلف 10 آلاف جنيه.
كنت أعلم حينها أن الأرض الزراعية تمثل 3.5% من ساحة مصر وأن مساحة مصر نحو مليون كيلومتر مربع لكنى لم أكن يومها أعرف أن مساحة مصر 238 مليون فدان، وأن مساحة الأرض الزراعية أقل من 8 ملايين فدان وأن نصف مليون فدان هي أقل من 0.5% من مساحة مصر وأن الوصول إلى 25% المذكورة يحتاج إلى إضافة نحو 72 مليون فدان وليس نصف مليون فقط.. لكن الإعلام والإبهار يذهب العقول.
أعلن أن المشروع سينتهى في 2017 برأس مال يصل إلى 20 مليار جنيه من البنية التحتية على أن يتحمل المستثمرون تكلفة الإستصلاح وفي 16 سبتمبر 1998 تم تخصيص 100 ألف فدان في توشكى لشركة المملكة للتنمية الزراعية التي يرأسها رجل الأعمال الأمير الوليد بن طلال بسعر 50 جنيهًا للفدان يدفع 20% منها عند التعاقد دون تحديد طريقة دفع الباقى ومع إعفاء الأرض من أي رسوم أو ضرائب وتثبيت سعر المياه على 4 قروش للمتر المكعب لأول 5000 متر لكل فدان وإمكانية استصلاح 100 ألف فدان أخرى، وتبع لك اتفاق على 100 ألف فدان للراجحى و100 ألف فدان لشركة الظاهرة و45 ألفًا لجنوب الوادي للتنمية و17 ألف فدان للقوات المسلحة.
ورصد الجهاز المركزى للمحاسبات في تقرير 1998 استصلاح أكثر من 13 ألف فدان، وفي 2006 تم افتتاح قناة الشيخ زايد ومطات الرفع في احتفالية عالمية حضرها الأمراء والوفود.
بدأت الحقائق تتكشفى 2006 بتقديم نواب المعارضة طلبات إحاطة حول المشروع ترصد استصلاح مساحة تقل عن 4 آلاف فدان بتكلفة أكثر من 7 مليارات جنيه، وأن معظم ما تم زراعتــه عبارة عن مزارع تجريبية للورود والزهور، وأن المحاصيل التي تم تصويرها كانت مساحات محدودة للدعاية.. إلا أن رد الحكومة على لسان محمود أبو زيد، وزير الموارد المائية والري، بأنه تم الانتهاء من 85% من المشروع وقامت الأغلبية البرلمانية من أعضاء الحزب الوطنى بما يلزم لرفض طلبات المعارضة بتشكيل لجان لتقصى الحقائق.
في 10 أكتوبر عام 2009، نشر الكاتب الصحفي كرم جبر مقالا في صحيفة "روز اليوسف" انتقد فيه الوليد بن طلال واتهمه بتخريب توشكى، حيث قال: "الوليد يمتلك هذه الأراضي منذ أكثر من 12 عامًا، واكتفى بمزرعة نموذجية مساحتها 50 فدانًا.. وغير ذلك لم يزرع عودًا أخضر واحدًا في الأرض، وكان يمتلك قبل ذلك 200 ألف فدان".
وثار الشعب في 28 يناير على فساد نظام مبارك وشهد عام 2011 قيام النائب العام بالتحفظ على الأرض المخصصة لشركة المملكة لعدم قانونية بنود العقد وتم صياغة عقد جديد بتمليك 10 آلاف فدان فقط و15 ألف فدان حق انتفاع وأعلنت الشركة ضخ استثمارات بقيمة 500 مليون جنيه في المشروع، إلا أن ذلك لم يتحقق حتى الآن.
وبمجرد تولى الرئيس الحالى عبد الفتاح السيسي السلطة أوفد المهندس إبراهيم محلب في يوليو 2014 لدراسة وضع المشروع وأعلن أنه أعطى التوجيهات بأن تكون الأولوية لإستكمال المشروع إلا أن علامات الاستفهام حول نتائج المشروع بعد ما يقارب 20 عامًا على بدأه ما زالت دون إجابة.
ماذا نتعلم من توشكى:
1- دراسة الجدوى الاقتصادية وتحديد التكلفة الحقيقية للفدان.
2-عدم بيع الأراضى وإعطائها كحق انتفاع بشرط الإستصلاح والإنتاج خلال فترة محددة وبعقود واضحة بها شروط جزائية وبسعر يعوض ما تم صرفه.
3-منع الفساد في التخصيص وطرح العطاءات بطريقة شفافة لأن الخبرات السابقة أثبتت أن التخصيص، والأمر المباشر لا يؤدى إلى الاقتصاد في الوقت وإنما يؤدى إلى مزيد من الفساد والإهدار.
4-إنشاء تعاونيات زراعية على مساحات من ألف-10 آلاف فدان وتشجيع الشباب على المساهمة والاستقرار وتكوين مجتمعات زراعية وصناعية.
5-الشفافية والرقابة والتخطيط الاقتصادى المنزه عن الأغراض السياسية والدعائية هو السبيل الوحيد للإصلاح.