رئيس التحرير
عصام كامل

«العقاد» يهدد بتحطيم أكبر رأس في البلد

عباس محمود العقاد
عباس محمود العقاد

مرت الصحافة والصحفيين المصريين منذ نشأتها في مطلع القرن التاسع عشر، بتاريخ طويل من التنكيل والمصادرة والملاحقة والسجن والنفى.

وكانت البداية مع الوقائع المصرية التي أصدرها محمد على، وفترة ما استاء من كتابات رئيسها رفاعة الطهطاوى فنقله إلى السودان، وفى عهد إسماعيل أصدر إبراهيم المويلحى "نزهة الأفكار "وتم ايقافها بعد عددين، ثم جريدة "وادى النيل "التي تم إيقافها لمقاومتها الإسراف الخديوي.


وجاءت "أبو نضارة" ليعقوب صنوع كأول جريدة سياسية هزلية في مصر التي قامت على انتقادات سياسة الخديوي إسماعيل فصدر قرار بنفى صنوع بعيدا عن مصر، لكنه في باريس استطاع إصدار صحف مختلفة من منفاه تهاجم الخديو والاحتلال البريطانى حتى توفى عام 1912.

وفى العقد الأول من القرن العشرين، تعرضت الصحافة لحملات عاتية خاصة في عهد عباس حلمى حيث وقعت حادثة دنشواى والحكم بإعدام 12 من الفلاحين، فندد مصطفى كامل بالحادث في جريدة اللواء بقيادة مصطفى كامل. 

في عام الانقلاب الدستورى 1930، تعرضت حرية الصحافة والحريات كلها لمحنة شديدة فعطلت صحف كوكب الشرق والمؤيد الجديد وصدى الشرق والسياسة والأحرار، وحوكم بعض الصحفيين وحكم عليهم بالسجن الذي تصدى للملك فؤاد ولحكومة صدقى وكتب مقالات هاجم فيها الملك هجوما شديدا.

وبعد استقالة وزارة مصطفى النحاس باشا يونيو 1930 وقف النحاس باشا في مجلس النواب يشرح أسباب استقالة الحكومة وهو أن الوزارة لم تتمكن من تقديم بعض التشريعات، وماكاد النحاس ينتهى من كلامه حتى أيد النواب الحكومة رافضين استقالته إلى أن وقف عباس محمود العقاد قائلا: «أن رأى مجلس النواب لا يمكن تجاهله ولو لحظة لأن الأزمة ليست أزمة وزارة فحسب بل هي أزمة مجلس النواب نفسه، بل أزمة الدستور المصرى، إلا فليعلم الجميع أن هذا المجلس مستعد لأن يسحق أكبر رأس في البلاد في سبيل صيانة الدستور وحمايته، كما أن البلاد على أتم استعداد للتضحية محافظة على الدستور».

وانتهت الجلسة بإعلان المجلس بالاجماع ثقته بالوزارة وتأييدا لموقفها، لكن طلب واصف رئيس المجلس حذف عبارة العقاد من المضبطة وعدم نشر الصحف لها.

وكما يقول صلاح عيسى في جريدة القاهرة تحت عنوان (الكاتب الجبار عباس أفندى العقاد يهدد تحت قبة البرلمان بتحطيم أكبر رأس في البلاد دفاعا عن الدستور).

إلا أن جريدة السياسة لسان حال حزب الأحرار الدستوريين أصرت على نشرها وقالت إنها لا تصدر إلا عن مجنون وأنها تنطوى على جملة يعاقب عليها القانون.

كما كتبت جريدة القصر "الاتحاد" أن كلام النائب الوقح اشتمل على عدة جرائم بتعرضه للذات المقدسة التي صانها الدستور، كما طالبت برفع الحصانة عنه ومحاكمته كأمثاله من المجرمين والمتشردين، ولم يتراجع العقاد بل كتب المقالات في جريدة كوكب الشرق يهاجم أي اعتداء على الدستور قائلا بإن خيانة الدستور جريمة لاتغتفر وأن حمايته فريضة لا تنسى وضمان لا يكرهه في الحقيقة إلا الخوارد من أعداء الحياة النيابية.

أصدر صدقى قرارا بتعطيل كوكب الشرق فانتقل العقاد إلى صحيفة المؤيد الجديد، فقامت القوى الرجعية بمعاقبة العقاد على تطاوله على مقام الملك تحت قبة البرلمان، وأعطت مقالاته الذريعة القانونية للقوى الرجعية، وفى 13 أكتوبر 1930 قررت النيابة حبس العقاد وإحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بقانون العقوبات بتهمة العيب في الذات الملكية وحكم عليه بالحبس.
الجريدة الرسمية