تبلد الحس السياسى!
لم يسبق فى التاريخ المصرى الحديث أن ابتليت مصر بنظام سياسى يتسم بتبلد الحس مثلما هو حادث الآن فى ظل حكم الإخوان المسلمين..
لقد مللنا من شعار "الإسلام هو الحل" الذى لم تتوقف جماعة الإخوان المسلمين عن ترديده طوال السنوات الماضية قبل ثورة 25 يناير، وكتبنا أكثر من مرة أنه شعار فارغ من المضمون، وهو فى الحقيقة يكشف عن الإفلاس الفكرى لهذه الجماعة الدينية المتطرفة التى زعمت أنها لو وليت الحكم ستحل كل مشكلات مصر، وأكثر من ذلك أنها ستقود البلاد إلى نهضة غير مسبوقة.
وشاء حظ الإخوان العاثر أن يمروا بامتحان تاريخى حاسم بعد أن سيطروا على مجمل الفضاء السياسى من خلال مجلسى الشعب والشورى، وبعد نجاح الدكتور "محمد مرسى" رئيس حزب "الحرية والعدالة" لكى يكون رئيسا للجمهورية.
وانتظرت الجماهير الحلول السحرية للمشكلات التى وعدت بها الجماعة، غير أن العجيب أن الأمور تدهورت بصورة أشنع مما كانت متدهورة فى العهد السابق.
ليس ذلك فحسب، بل ظهرت أزمات السولار التى أوقفت الحياة فى البلاد فى كل مجالات النقل والزراعة والصناعة.
وبالرغم من التصريحات الكاذبة للوزراء المختصين من أنه ليست هناك أزمة، وأن المشكلة فى التهريب إلا أن الأزمة قائمة.
وإذا نظرنا إلى خطورة التدهور الأمنى وشيوع حوادث الخطف والسرقة والإكراه والقتل لأدركنا أننا فى عصر الإخوان المسلمين الميمون أصبحنا كمواطنين نعيش فى فزع حقيقى لغياب الأمن والفوضى فى الشارع؛ حيث تسرق السيارات جهارا نهارا تحت تهديد السلاح.
وأخطر من ذلك كله، ونتيجة لغيبة الأمن أخذ المواطنون -فى مواجهة البلطجية- القانون فى أيديهم، وتولوا بأنفسهم القبض عليهم ومحاكمتهم فى الشارع وإصدار الأحكام عليهم بالإعدام وتعليقهم على أعمدة النور!
ومعنى ذلك أن المجتمع المصرى يتحول بسرعة من مجتمع مدنى متحضر يحكمة مبدأ سيادة القانون إلى مجتمع بربرى القوة الغاشمة فيه هى المتحكمة.
ولو ألقينا ببصرنا إلى المشهد السياسى المحتقن نتيجة الغباء السياسى النادر المثال الذى يمارسه بطريقة منهجية بلهاء قادة الإخوان المسلمين، لوجدنا المصادمات الجماهيرية الواسعة المدى بين الشارع الغاضب -ولا نقول أنصار جبهة الإنقاذ، لأن الشارع المصرى كله يموج بالسخط على الأداء الردئ لحكم الإخوان- وبين الجماعات الإخوانية والسلفية.
وأصبحت أحداث بورسعيد الدامية مؤشرا على بداية عصر التصفيات الجسدية على مستوى الجماهير!
وما حدث فى شبرا مؤخرا من معارك دامية سقط فيها ثلاثة قتلى وعشرات المصابين فى أحداث عبثية وصراع دار بين حيين لدليل على أن مقدمات الحرب الأهلية التى يتقاتل فيها الكل مع الكل قد بدأت بالفعل!
فى ظل هذا المناخ الفوضوى العارم يندهش المرء اندهاشا شديدا من تبلد الحس لدى قادة الإخوان المسلمين بتصريحاتهم المستفزة، سواء داخل مجلس الشورى أو خارجه.
لأنهم مشغولون بالانتخابات النيابية ويتحدثون حديثا فارغا عن الصندوق "السحرى" والذى يعبر – كما يزعمون- عن الإرادة الشعبية! وأن المعارضين الذين يريدون تأجيل الانتخابات يخشون من نتيجة الصندوق! أى انتخابات؟ وأى صندوق؟
ما هذا التبلد؟ وما هذا الغباء السياسى؟ وكيف لا يشعر قادة الإخوان المسلمون وزعماء الأحزاب السلفية أنهم مكروهون فى الشارع المصرى، وأن مصداقيتهم قد هوت، وأخطر من ذلك أن شرعية النظام قد سقطت بالفعل!
هل يظن هؤلاء المتبلدون أنهم يمكن أن يحكموا مصر بالقوة وباستخدام الشعارات الدينية الخادعة؟
لقد عبر الشعب بجموعه عن رفضه المطلق لحكم الإخوان الذين سقطوا بجدارة فى الاختبار التاريخى!
غير أنه يقع على عاتق قوى المعارضة من أحزاب سياسية وائتلافات ثورية أن تدخل فى نقاش مسئول لوضع خطة طريق لمرحلة الانتقال الحقيقى إلى الديمقراطية الصحيحة المعبرة حقيقة عن إرادة الشعب، وليست الديمقراطية الزائفة التى يروج لها الإخوان المسلمون.
لقد قال الشعب كلمته ضد الإخوان المسلمين، وينبغى أن ترسم القوى الحية فى المجتمع طريق المستقبل!
eyassin@ahram.org.eg