امتحان في التاريخ
ما تشهده مصر هذه الأيام أعده بمثابة امتحان في التاريخ، التاريخ الذي لا يرسب من يذاكره على الإطلاق.. مسئولونا، كان الله في عوننا، لا يطيقون صبرًا على القراءة، ولا يستمعون إلى حواديت الجدات حتى.. ولا "أبلة فضيلة"، وإلا ما أقدموا على ما فعلوا وما يفعلون.
أنصح بتعريض أي مسئول يزمع رأس النظام تنصيبه في موقع مهم، أو توليته مقعدًا خطيرًا، لامتحان في التاريخ.. تاريخ سير سابقيه في ذلك المكان.. الدروس المستفادة من السلف، صالحًا وطالحًا.. كيف يستفيد مما سبق فيما هو قادم، حتى لا تتكرر الأخطاء والخطايا.
زكي بدر، غفر الله له، اضطر أو أرغمت أنفه، على الحضور، أو المثول بين أيدي أبناء صاحبة الجلالة ليعتذر عما بدر منه بحق الصحافة والصحفيين، وقتها.
فشل السادات، رحمه الله، في تحويل النقابة إلى "ناد اجتماعي".. وكلنا يعلم السادات و"دماغ السادات"، وما حباه الله به من ذكاء.. ومع ذلك فقد عجز عن تنفيذ مخططه، واضطر أن ينص في دستور 1971، على أن الصحافة "سلطة شعبية"، ودأب على وصفها في أحاديثه وخطبه أنها "السلطة الرابعة".
حسني مبارك، الذي أعتبره من أفشل حكام مصر على مر التاريخ، اضطر للتدخل لإنهاء أزمة هو من ورط الدولة فيها.. بشأن القانون 93 لسنة 1995.. لكن الصحفي الحكيم إبراهيم نافع، وكان وقتها يشغل منصب رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير الأهرام، ونقيب الصحفيين، دعا الرئيس للتدخل ليكون حكمًا بين السلطات.. فلم يجد أفضل من تدخله مخرجًا من المأزق.. وأنهى الأزمة.
أغبى الأغبياء من يحاول تحدي صاحب قلم.. جملة قالها الراحل العظيم، أستاذ السياسة، مصطفى كامل مراد، رحمه الله.
تجنب الوقوع في الأخطاء سهل جدًا.. فقط لنقرأ التاريخ، ونستفيد من دروسه وعظاته.. لكن الكارثة أن كثيرًا من مسئولي السلطة التنفيذية يظنون أنهم أكبر من القراءة؛ لذا يرتكبون الحماقات نفسها، ويكررون الخطايا بعينها، فيذهبون غير مأسوف عليهم في مكان سبقهم إليه الجهال.
لك الله يا مصر!
قبل اشتعال الأزمة دعوت رئيسنا للتدخل؛ تفاديا لتأزم الصراع، ووصوله إلى الذروة والأفق المسدود.. قلت له: "هل يرضيك المشهد حول نقابة الصحفيين؟ حشود أمنية، كان أحرى بها توفير جهدها ووقتها لمحاربة الإرهاب، ونحن معها.. وبلطجية يلقون الدعم والأموال من الأمن جهارًا نهارًا.. وصحفيون يُمنعون من دخول نقابتهم.. وأكاذيب يرددها "الغلابة" كالببغاوات، بعد أن أُمليت عليهم من قيادات الشرطة، حول الصحفيين الأثرياء الذين يتقاضون عشرات الآلاف شهريًا، ولا يعلمون شيئًا عن معاناة الناس.. إذن فمن يحترق ليضيء طريق البسطاء؟ من يكتئب ليفرح المواطنون؟ من يشقى ليسعد المحرومون؟ من يتلقى الطعنات، وتكال له الاتهامات، ويُجرجر في ساحات المحاكم، دفاعًا عن المظلومين؟
سامح الله الجميع، من أخطأ في حق الصحفيين، وقيادات الداخلية التي افتقدت الحكمة، ورموز المهنة الذين غابوا في وقت أبناء صاحبة الجلالة أحوج ما يكونون فيه إليهم.
لم يبق غير السيسي هو الحكم بين السلطات.. فعلها مبارك عام 1995، وحريٌّ بالرئيس المنتخب من أكثر من 90% من الشعب، أن يفعلها".