10 متسولات و 100 راكب وقانون جمعيات الإخوان
خدعوك فقالوا إن الإخوان كانوا بحاجة إلى تعديل تشريعى يتوافق ودستورهم حتى تقبل وزيرة الشئون الاجتماعية إخطارهم الإجرائى بإنشاء جمعيتهم، لتجرى مساءلة "الجماعة" عن أنشطتها لاحقا عبر القانون 84 الصادر فى 2002، رغم أن تأثيرها على مجتمعنا خلال 80 عاما أكبر مما تتخيل.
وإذا حدثك أحد عن إنجازات جماعات الدين السياسى فى العمل الأهلى لا ترد عليه إلا باصطحابه إلى مترو الأنفاق، فداخل عربة يصل عدد ركابها 100 راكب تستطيع إحصاء 10 متسولات على الأقل خلال رحلة لا تزيد على 10 محطات، قادمات من مجتمعات العوز والإتجار بالصدقات وجمع التبرعات بصناديق النذور داخل المساجد غير العاملة بلجان مشهرة قانونا.
دقق فى شكاوى المتسولات من مرض أفراد أسرهن دون علاج، وغياب عائل يمنع تسرب أطفالهن من التعليم، وانظر إلى ألفاظهن حال الاحتكاك ببعضهن لو علقن على امتناعك عن مساعدتهن، وتابع إصرارهن لدرجة الاستماتة على شراء سلعة لست بحاجة إليها، ثم دقق فى ملامحك أنت اليومية خلال رحلة يومك إلى عملك لأجل الحصول على قوت يومك لك وأسرتك.
قارن هذه النتائج والمشاهدات والمواقف جميعها بأسباب ومظاهر العيشة "الضنك" داخل مجتمعات تدعى هذه التيارات السيطرة عليها، راقب مشروعات العلاج الأهلى الربحية داخل "مستوصفاتهم"، وفصول التقوية المدفوعة لمدرسى الشوارع بإعلاناتها المشوهة لشوارعنا، وخطب الأئمة التى ابتعدت عن تقويم السلوك نحو تكفير الغير المختلف سياسيا وفكريا، وسل نفسك لماذا تضع أموالك بعد صلاة كل جمعة فى صناديق لا تعرف من يديرها وفيم يستخدمها قبل وبعد ظهورهم وأحزابهم سياسيا؟
ثم قارن أجرك الشهرى بخط الفقر المصرى والعالمى ومعدلات التضخم الشهرى والسنوى وما تضطر كل ساعة لدفعه إلى المتسولين أو المحتاجين المنتشرين فى الشوارع، لتكتشف بسهولة أنك أكبر مغفل يضطر إلى الضحك على نفسه ويسدد عن السلطة السياسية و"الدينية" مستحقات هؤلاء وأولئك.
جماعات الدين السياسى فى مصر والتى شكلت سلطة "دينية" على مجتمعات الفقر والجهل الغائبة عنها نخبة الزيف، احترفت واقعيا مهنة "جمع المال"، تمارسها منذ عقود عبر جمعيات تسمى "خيرية" تسيطر على مساجد وزوايا "أهلية" وتتفنن فى اختلاق دولة ومجتمع موازين للدولة الفاشلة المتراجع دورها فى دعم وحماية حقوق الإنسان الاجتماعية والاقتصادية بالأخص.
وأغلب أنشطة تلك الجمعيات داخل الأحياء الفقيرة والشعبية، وتركز بالأساس على استعطاف الأثرياء كى يوجهوا زكاتهم وصدقاتهم إلى المعدومين والمحرومين عبر "وسطاء"، هؤلاء تغيرت أوضاع كثيرين منهم ماديا واجتماعيا عقب حصولهم على لقب "رؤساء جمعيات".
لن أستحضر نماذج سيئة لجمعيات إلا فى مشاهد قيادتها الفقراء فى مواسم الانتخابات نحو مرشح بعينه سلطوى أو رأسمالى، وأطرح دائرة مولدى وسكنى بالزيتون نموذجا، حيث كانت مساجد تديرها جمعيات "من إياها"، ترفع لافتات التأييد لزكريا عزمى رئيس الديوان نائب الدائرة خلال عقدين، وتحشد لانتخابات الرئاسة "الصورية" والاستفتاءات المزورة عبر خطب أرباع الدعاة وأنصاف المشايخ المنتمين لتلك التيارات وعضوية الحزب المنحل معا!!
فلسفة هؤلاء فى إدارة العمل الأهلى فى مصر تعتمد نظرية "الباب الموارب" وتستهدف إبقاء الأوضاع على ما هى عليه، الفقراء كما هم، والأغبياء من الأثرياء ينفقون زكاتهم وصدقاتهم عبر هؤلاء الوسطاء، وأصحاب السبوبة يقودون الغلابة إلى من يدفع أكثر فى مواسم الانتخابات والعنف السياسى المسلح.
أعتقد أن الخسارة لمصر أكبر حينما ينتقل هؤلاء التجار إلى السلطة ويتمكنون من مفاصل الدولة، ويديرون اقتصادا ريعيا أكبر ويهدرون كل الحريات ويتجاهلون أغلب الحقوق بنظامهم الاقتصادى الفج. راجعوا دستورهم وصفقاتهم وصكوكهم حتى تدركوا أن الحديث عن توفيق أوضاع الجماعة عبر "الحاجة الوزيرة" لا يمثل معركة حقيقية معهم، فما أوردته يكفيهم ويغنيهم عن مصادر تمويل أخرى تتبع التنظيم الدولى.