رئيس التحرير
عصام كامل

القرآن يتحدى!


مثل الوضوء.. جاء الحديث في القرآن الكريم عن الإسراء مختصرا مركزا محددا، رغم أن في القرآن سورة كاملة عنوانها "الإسراء".. ولذلك تقع حادثة الإسراء بين معجزات القرآن الكريم التي لا نهاية لها، حتى إننا بالنظر والتأمل نكتشف كل يوم إعجازا بعد إعجاز..


نتوقف-مثلا-عند قوله "ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه" وبالرغم من أسباب نزولها وهي متعددة إلا أنه يلفت النظر قوله "لرجل" ولم يقل "لبشر" حيث إن المعني المادي يتحقق دائما في حمل الأنثي إذ يكون في جوفها قلبين بالفعل..وتأتي الدقة الشديدة في كل آيات القرآن الكريم مثل قوله تعالي "وغذا سألك عبادي عني فإني قريب" رغم أن في كل الآيات التي نص فيها على السؤال وهي آيات "ويسألونك " مثل "ويسألونك عن الأهلة" أو "ويسألونك عن المحيض" كان الجواب يأتي بقوله "فقل" أما في سؤال العباد عن ربهم، فجاءت بلا فاصل حيث تتوافق مع قوله "ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" فجاء قوله "فإني قريب"..

لا يتوقف القرآن عن صور الإعجاز البلاغي، ففي قوله "أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك" ولما كان الحديث عن عرش ملكة سبأ، وأنه سيأتي بهذه السرعة كان الجواب بلا فواصل زمنية، فكان قوله "فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر" وفي قصة سيدنا زكريا عندما خاطبه ربه مبشرا إياه بالولد استخدم كلمة (امرأة) قال تعالى على لسان زكريا عليه السلام: "رب أني يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا " حيث استخدم لفظ "امرأتي" ولكن بعد أن منحه الله سبحانه الإنجاب تغير اللفظ، فقال "فاستجبنا له ووهبنا له يحيي وأصلحنا  له زوجه" ولم يكرر لفظ "امرأته" حيث تحققت الغاية من الزواج وهي الإنجاب..

ولا يخفي- مثلا- أن كل الأنبياء أرسلوا إلى قومهم، وتم النص على ذلك صراحة، فهذا سيدنا نوح "إنا أرسلنا نوحا إلى قومه"، وقوله "وإلي عاد أخاهم هودا قال يا قوم"، وقوله "وإلي ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم"، وقوله "ولوطا إذ قال لقومه".. وهكذا في كل الأنبياء إلا نبيا واحدا لم يقل إنه أرسل لـ"قومه" حتى لو كان أرسل إلى "قوم" بعينهم، وهو عيسى عليه السلام إذ قال "إذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل"، وقوله "وقال المسيح يا بني إسرائيل.. "إنما أمه مريم البتول قال لها "فأتت به قومها تحمله" لأنها ابنة عمران..

والمعني أن القوم هم أهل الأب وسيدنا عيسى ليس له والد بالمعني المتعارف عليه، وبالتالي فليس له قوم بالمعني المتعارف عليه أيضا، أما قوله "ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون" والحديث لقوم محمد عليه الصلاة والسلام وهكذا تبدو دقة القرآن الكريم في خطابه وفي ألفاظه وبما لا تحتمله مئات المقالات وليس مقالا واحدا محددا بمساحة!

وفي الأخير، نقول إننا لم نستخدم علامات التعجب أمام إعجاز القرآن لأنه منطقي، ولا يحتاج للعجب وفي الأخير أيضا لا نملك إلا القول "كل عام أنتم بخير بذكري طيبة لمعجزة من معجزات لا تعد ولا تحصي"..
الجريدة الرسمية